قلت: إخراج فتوى الفقيه عن الرواية خال عن الوجه، فإنه إذا ذكر الصدوق مثلا في كتابه: أنه يستحب مثلا كذا، فهذا إخبار، وتخصيصه بما كان عن الحس لا دليل عليه، وكذا تخصيصه بما كان عن أمر مقطوع لا اجتهاد وظن، بل بعض الأخبار - كالخبرين الأولين (1) - ليس فيها ذكر لفظ (الخبر) وإنما هو سماع شئ من الثواب، أو بلوغ شئ من الثواب على شئ من الخير، وأي بلوغ وسماع أزيد من السماع من الفقيه الجامع لشرائط الفتوى!
وأما المتعارضان، فنقول: غاية ما في الباب: أنهما متكافئان من حيث نفسهما لا ترجيح لأحدهما على الاخر، ولكن الدال على الاستحباب يترجح بأخبار التسامح ويؤخذ به.
ودعوى: أن الظاهر من الأخبار بلوغ بلا معارض فلا يشمل الفرض.
قلت: إن كان المعارض نافيا لما أثبته الدال على الندب ومثبتا لخلافه - كشئ دال على الكراهة أو التحريم - فيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى، وإن لم يكن كذلك - كما دل على الإباحة كما هو الفرض - فنقول: لو لم يكن هناك خبر لكان مقتضى الأصل المعتبر أيضا الإباحة، لأصالة عدم جعل الندب وعدم حصول الثواب، فإذا عمل بالخبر الضعيف في مقابلته لأدلة التسامح، فكذا يعمل به في مقابل ما دل على الإباحة.
وبعبارة أخرى: لا يكون دليل الاستحباب هو الخبر المعارض بمثله، بل إنما هو موجب لحصول معنى البلوغ والسماع، فيثبت الاستحباب بظاهر هذه الأدلة.
ولو استشكل في شمول هذه الأخبار لصورة المعارضة كفانا دليل العقل وما بعده من الأدلة المتقدمة.
ويرد على هذه الأخبار وجوه من الإيراد: