كالوجوب والتحريم - عقلا، ونحو ذلك ما ذكره من المثالين الآخرين، فإن وطئ الحائض موضوع ووطؤ الأجنبية موضوع آخر، وكذا الزنا وشرب الخمر موضوع وإفطار شهر رمضان موضوع آخر، بينهما عموم من وجه. فلم يتحقق حكمان متجانسان في موضوع واحد. ولا فرق بين المتجانسين والمتناقضين من الأحكام في عدم الاجتماع في موضوع واحد.
إذا عرفت هذا، فمتى سلم كون كل من السببين قاضيا بوجوب المأمور به ولم يكن أحدهما تأكيدا للاخر فلا بد من إرادة إتيانه في الخارج مرتين، إذ تعدد الوجوب يقتضي تعدد الإيجاد في الخارج، ولا يمكن وجود واحد محلا لوجوبين، إذ الماهية غير قابلة والخصوصية كذلك، وكون أحدهما للماهية والاخر للخصوصية تهافت في القول ومخالف لظاهر الدليل والفرض، فلا بد من وجودين حتى يصدق الوجوبان بهذا الاعتبار، إذ الطلب للماهية ينحل إلى إرادة وجودها في الخارج، فبتعدد الطلب يتعدد الوجود لا محالة.
مضافا إلى أن تخلل المسبب بين السببين - الذي هو خارج عن محل البحث ولا كلام فيه في عدم التداخل - ليس الوجه فيه إلا تعدد الأمر وتعدد الوجوب، لأن مدخلية شئ آخر غير معلوم، بل معلوم العدم، فإذا وجب بالسبب الأول فمعناه: لزوم وجوده في الخارج، فإذا وجد وحصل السبب الثاني ليس معناه أيضا إلا لزوم وجوده، والمفروض أنه وجد في الخارج، فتعدد الوجود أي شئ يقتضيه؟
فإن قلت: السبب يقتضي الوجود بعده وهنا وجد قبله، بخلاف ما لو اجتمع السببان، فإن المسبب يوجد بعدهما مرة واحدة.
قلت: كلام جيد! لكن الفرض أن تعدد الوجود للفعل لم ينشأ إلا من نفس تعدد الطلب بعد التأمل الجيد، لا لتأخر السبب الثاني عن المسبب، وليس هذا الإتيان به ثانيا في نظر أهل العرف إلا لتعدد الطلب، لا للتأخر والتقدم، وهذا