وهذه المسألة في تحقيق معنى الداعي والنية قد اشتبهت على كثير من الناظرين في المقام، لكثرة تشوش العبائر والتعبيرات في بيان المدعى، وبعبارة واضحة: الداعي (1) عبارة عن كون القوة العاقلة المدركة التي تلاحظ الأغراض وتبعث البدن على الإتيان بمقدماتها وأسبابها بانية على غرض التقرب والزلفى في إتيان العبادة، لا على غرض آخر.
والأخطار بالبال عبارة عن استحضار هذا العلم أيضا في القلب حتى يحصل العلم بهذا العلم عند العمل، ولم يعلم من أدلة النية اعتبار ذلك، لأنه خلاف ما جرت عليه عادة الناس في أعمالهم، فإنا لم نجد أحدا عند اشتراء اللحم لأهله أن يتصور في ذهنه (أني أشتري هذا اللحم لعيالي ليأكلوه ويسلموا من ألم الجوع ويبرأ ذمتي من وجوب الأنفاق) مع أنه معلوم أنه لو سئل عن الداعي إلى شراء اللحم لأجاب أن السبب هذا، لا شئ آخر، فتدبر جدا.
وثانيها: أنه لا يلزم التلفظ بالنية في شئ من المقامات، لعدم دليل على وجوبه، وقد عرفت أن أدلة النية غير دالة على ذلك.
وما ورد في باب الحج من التلفظ عند المناسك، كقوله: (اللهم إني أحرمت) (2) ونحوه، وذكره الفقهاء في كتبهم الفقهية (3) فإما هو لازم خارجي دل عليه الدليل، أ و مستحب كما هو الظاهر، وهو أمر زائد على حقيقة النية المبحوث عنها.
ومن هنا يعلم: أن التلفظ بها في سائر العبادات ما لم يقم عليه دليل موجب للتشريع لو أتى به بقصد الاستحباب، وبدونه فهو لاغ (4).