وأما الثاني: فهو ما لم يؤخذ فيه خصوص العادة ولا التحديد، بل معناه موكول إلى العرف، كما في معنى الغسل والعصر وما لا ينقل في التطهير بالشمس وثوب الكفن والكسوة، ومعنى الدفن والصعيد والعورة في وجه والفعل الكثير والجهر والاخفات وكثير الشك والسهو والسفر وسوم الأنعام والإطعام ومنافيات المروة وبدو الصلاح، ومعنى القبض وضبط الأوصاف بحيث يرتفع الجهالة في كل شئ بحسبه، ومعنى الفورية في الخيارات والشفعة، وفي صدق الجار في الوصية، وفي معنى الأحياء والعيب وحرز السارق، ونظائر ذلك مما لا يحصى.
والمرجع في ذلك كله العرف، لانصراف اللفظ إلى ما يسمى في العرف به، وتقدمه على المعنى اللغوي إذا تعارض.
والدليل في ذلك: كون الرسالة بلسان القوم. وإلى ذلك يدور كلمة الأصوليين في باب الأوامر والنواهي والمفاهيم والمناطيق والأجمال والبيان والعموم والخصوص والأطلاق والتقييد، إذ ليس في هذه المسائل شئ معتمد سوى ما يستفاد من العرف، وإن أطال جماعة في تحرير الوجوه والأدلة والاعتراضات والشبهات.
الضابطة الرابعة:
إذا كان المرجع في تحقيق معنى اللفظ إلى كلمة أهل اللغة، بمعنى: المتتبعين للاستعمالات الملاحظين للمقامات الذين صنفوا في ضبط المعاني تصانيف كثيرة، فإن اتحد مفاد كلامهم في معنى اللفظ فلا إشكال في ذلك، وإن اختلفت كلماتهم - كما اتفق ذلك في مثل الكعب والصعيد والطهور، ومعنى السحر والغناء والكهانة ونحوها، ومعنى السلاح، وفي إطلاق اسم الأنساب إلى المراتب اللاحقة، وفي صدق النسبة من طرف الام، ونظائر ذلك - فنقول: إن للاختلاف صورا كثيرة:
أحدها: أن يكون التفاوت بالأقل والأكثر المستقل، بمعنى: أن أحدهما ذكر