وأنت - بعد التأمل فيما ذكرناه من الموارد - تعرف أن شيئا منها ليس بخارج عن هذه الأقسام التي ذكرناها تفصيلا.
وثالثها: أن بعد ملاحظة ما حررناه يظهر: أنه فرق واضح بين (منع النفع) و (الضرر) فإنهما متضادان لا متناقضان، وليس كل ما ليس ينفع ضررا، فقد يكون شئ ليس بنفع ولا ضرر.
ففي الأمور المذكورة لو لم يكن شئ منها بالفعل ولا بالقوة القريبة لكنه قابل للحصول لو منع عنه مانع فإنما هو مانع عن النفع لا ضار.
مثلا: لو كان لشخص أرض يريد عمارتها وإحياءها فمنعه مانع عن ذلك لا يعد مثل ذلك ضررا في المال، إذ لم يكن هناك مال حتى ينقص. نعم، من جهة أنه منعه عما له التسلط عليه فهو مفوت حق تسلطه، وهو كلام آخر.
وأما لو كان له ملك معمور فمنعه مانع عن محافظته حتى خرب فهو ضار له في ماله.
ولو كان لشخص متاع يريد أن يبيعه بأعلى قيمة فمنعه عن ذلك حتى نقصت القيمة لم يضره في المال، فإن ماله موجود، والنفع الحاصل من البيع لم يكن مالا حتى يلزم الضرر.
إذا عرفت هذا فاعلم: أن الضرر والأضرار والضرار كلها مشتركة في إفادة معنى نفي الضرر ولو كان في الأخيرين معنى زائد ننبه عليه، فالروايات كلها دالة على نفي ما يعد ضررا في الإسلام، وظاهر لفظ الرواية: نفي ماهية الضرر والضرار في الدين أصلا ورأسا، لكون (لا) موضوعا لنفي الطبيعة، والخبر هنا (موجود) كما في نظائره، وحاصل المعنى بعد نفي ماهيتهما في الدين ينحل إلى: أن ما يسمى بهما في العرف ليس من الدين، بل هو شئ غير موجود فيه وخارج عنه.
فلو فرض حكم يتحقق فيه الضرر على أحد فينبغي بمقتضى الرواية القول بأن هذا ليس من دين الإسلام الذي شرعه الشارع، وإلا لزم انخرام القضية الكلية،