أولوية من وجه آخر، وهو: أنه يحتمل مصير جماعة من الأخباريين في الشبهة الحكمية إلى الاحتياط، ولا احتمال هنا، للاتفاق من العلماء على البناء على الأصل في الموضوع، كما هو المشاهد من طريقتهم في الفقه والمعلوم من طريقة المسلمين في الأعصار والأمصار.
فإن قلت: ما ذكرت من الأصول والاجماعات ودليل العسر وغير ذلك كلها تجري في الشبهة الغير المحصورة، وأما الشبهة الموضوعية مع العلم الإجمالي بين المشتبهات المحصورة فلا يمكن ذلك، لأن الأصل في كل واحد منها معارض بالأصل في الاخر، ولا حرج في اجتنابه، والأدلة دلت على الاجتناب عن النجس الواقعي، وهو هنا موجود، فيترك الجميع مقدمة.
قلنا: في الشبهة المحصورة كلام من وجهين:
أحدهما: من جهة الطهارة والنجاسة، والأخرى (1) من جهة الحلية والحرمة والاستعمال.
أما الثاني: فالكلام فيه موكول إلى البحث في أصل البراءة، وهو مقرر في الأصول.
وأما الأول: فلا ريب في البناء على الطهارة في كل فرد فرد، للأصول السابقة، ولهذا لو لاقى واحدا منها شئ لم يحكم بنجاسة الملاقي. نعم، إذا لاقى الجميع أو لاقى بجميع أجزائه شئ إذا كان الشبهة في جزء من مثل الثوب - مثلا - علمنا بأن الملاقي تنجس.
ويدل على ذلك الموثقة المذكورة سابقا (2) ولا ريب أن المتبادر منه العلم التفصيلي، والضمير راجع إلى الشئ الخاص، لا بمعنى أنه: حتى يعلم وجود قذر بين الأشياء فيكون كلها نجسة، وذلك واضح.