وبعبارة أخرى: إن المجتهد والمقلد له واقع واقعي، وواقع اضطراري هو ما فهمه بالاجتهاد أو التقليد، وهو الذي نسميه بالظاهري العقلي، وليس هناك شئ، فإذا انكشف خلاف الواقعي الأولي ثبت ذلك الأمر في ذمته، فلزمه الإتيان.
وأما الخارج عنهما فله أوامر ثلاث، أحدها: ما فهمه بمتابعة آبائه ونحوه، فيلزمه الإتيان به، مع أنه كان مكلفا بمطابقة رأي المجتهد، فإذا انكشف مخالفته للواقع - بمعنى رأي المجتهد - فقد بقي هذا الخطاب في ذمته لزم عليه الإتيان به، لأنه فريضة فاتت عنه.
نعم، لو أتى بمقتضى التقليد والاجتهاد قضاءا ثم انكشف أنه مخالف لأصل الواقع أيضا، لزمه القضاء ثانيا، والسر في كل ذلك: أن الميزان في لزوم القضاء وجود تكليف في الواقع على غير ما فعله بمقتضى اعتقاده، فإن ما فعله لا يجزئ إلا عما اعتقده مأمورا به، وأما الأمر الواقعي فيبقى بعد حصول العلم إلى أن يمتثل به (1).
ومن هنا يعلم: أن الاجتهاد أو التقليد وإن كان بالنسبة إلى ما فعله واقعيا لكن الواقع الأولي الاختياري أيضا ثابت بالنسبة إليه، فلو وجد ما فعله مخالفا لرأي المجتهد وجب القضاء على مقتضى رأيه، فإذا أتى به كذلك يبقى مظنون المطابقة للواقع، فإذا انكشف خطأ المجتهد قطعا وجب القضاء أيضا - كما ذكرناه في المقلد - فإن هذا العامي بعد العمل بقول المجتهد يصير كالمقلد، وقد مر حكمه.
ومن ذلك ظهر: أنه لو وجد ما فعله أولا باعتقاده مطابقا للواقع قطعا ووجد فتوى الفقيه مخالفا للواقع ليس عليه قضاء أصلا، لأن المعتبر إنما هو مطابقة أصل الواقع، ومطابقة رأي المجتهد قد اعتبرت من جهة أنه طريق الواقع، فإذا علم فلا حاجة إلى رأي المجتهد، وذلك واضح مما قررناه.
القسم الرابع: هو الآتي مطابقا للواقع مع عدم اعتقاده المطابقة، كما لو كان