للعبيد (1) وما كان الله ليظلمهم (2).
وليس ما تخيل من كونه من باب العسر والحرج إلا كما يتخيل (3) من كونه من باب الظلم في أشياء لا يدركه عقول الأكثر، ولا ينال سره إلا البالغون مرتبة الاطمئنان والعقل الكامل.
ولا يلزم من مجرد ورود النقض - الذي لا يقدر على حله النظر - إخراج الظواهر المقاربة للقطع بل القطعية عن معناها وارتكاب مثل هذا التكلف الذي لا يخفى على المنصف غرابته، والمصير إلى أن ما ثبت مما ظاهره الحرج ليس من ذلك الباب، بل هو كاشف عن الخروج عن الموضوع وإن كنا لم نعرف وجهه أوضح من ذلك، مع أنا نبين الوجه في ذلك إن شاء الله تعالى.
والذي أوجب الاضطراب في هذا الباب أمران:
أحدهما: أنا نرى التكاليف الشاقة والأحكام الصعبة واردة في الشرع، وأهل العرف يعدونه عسرا وحرجا وضيقا، كالصوم في اليوم الحار الطويل، والحج، والجهاد، ولزوم الثبات في مقابلة الكفار، وحرمة الفرار، والتوضؤ بالماء البارد الشتاء وفي السفر، ومجاهدة النفس، والسعي في طلب العلم في البلاد البعيدة، وعدم الخوف من لومة لائم في بيان أحكام الله وإجراء حدوده، والجهاد في سبيله، ونظائر ذلك.
وثانيهما: أن الشارع لم يرض في بعض الأمور الجزئية والتكاليف السهلة بالارتكاب، وورد في النصوص الاستدلال في نفيها بأدلة العسر والحرج، فكيف يكون أمثال ما مر في الأخبار عسرا وحرجا، ولا يكون ما ثبت من الأمور المتقدمة - التي هي أصعب منها بمراتب - عسرا وحرجا؟ ومن هذين الأمرين تولد الأشكال من وجهين: