لاحترام ذي الحق، فإذا رخصه في ذلك فلا بأس، أم لا، بل هو حكم منجز من الشارع لا ينفع فيه الرضا؟
مقتضى ما ذكرناه من عدم جواز إضرار الرجل لنفسه أيضا الثاني، لأنه إذا لم يجز له أن يضر (1) نفسه فليس له أن يرخص غيره أيضا في ذلك، فإذا لم يكن له ذلك لم يكن برخصته اعتبار، والرخص لا تناط بالمعاصي.
ولا فرق أيضا في عدم الجواز بين الضرر الكثير واليسير بعد صدق اسم الضرر، لدخولهما تحت العموم، إذ هما (2) نكرتان واقعتان في حيز النفي، فيفيدان العموم في عدم الجواز أو في عدم الوجود - على الاحتمالين في معنى الحديث -.
وأما ما لا يعد ضررا عرفا، كما كان نقصا في شئ من الأمور المذكورة بمقدار لا يعتد به، كحبة من صبرة وسنبلة من مزرعة، أو تعب قليل في البدن، أو ما كان بإزائه نفع (3) يقوم مقامه، أو يزيد عليه، كالضيافة أو بعض التحف والهدايا والحجامة والفصد - ونظائر ذلك مما له داع يعتد به - فذلك جائز غير منفي ولا منهي في نفس المكلف وفي غيره، للأصل من دون دليل على خلافه. وهذا البحث كله في (4) مدلول اللفظ وتحرير القاعدة بحسب ما يستفاد من العبارة.
والمهم النظر في فقه القاعدة، بمعنى: أن ما أثبت بها الفقهاء في الموارد التي عرفتها من أحكام مخالفة للضوابط بمعونة هذه القاعدة من الأحكام الوضعية، هل هي مما يستفاد من الرواية أو لا؟ وهذا الذي ينبغي البحث فيه للفقيه.
فنقول: إن هنا مقامات:
المقام الأول: في أن بعد ثبوت نفي الضرر أو النهي عنه لو ثبت ضرر وحصل من بعض المكلفين لبعض في عقد أو إيقاع أو غصب أو تصرف أو تدليس أو نحو