وخلدوا إلى القاعدة لقوتها وكثرة العمل بها في مواردها ووضوح عمل الأصحاب بها، وبعد خروج المورد الخاص (1) عنها.
ولا يخفى ذلك على من له أدنى درية (2) في متون الفقه وكلمات المتأخرين، فضلا عن كتب الاستدلال للأساطين، فإن طرح النصوص الصحيحة غير عزيز في قبال القاعدة، سيما مع عمل شيخ الطائفة وأتباعه بها حتى سمى شيخنا الشهيد الثاني - في مقامات متعددة - من رد هذه الأخبار وأخذ بالقاعدة (المستنبطين) (3) في قبال من عمل بالرواية، مشعرا بأنهم ليسوا من أهل الاستنباط.
والمعلوم من كلامه أن الاستنباط: المشي على القواعد (4) المعلومة من المذهب. وهو معيار ليس عليه غبار، وما نحن فيه من جملتها.
ولعل المورد تخيل من لفظ (الأصل) ما يذكرونه في الأصول من أن المراد بالأصل: ما يرجع إليه عند عدم الدليل كالبراءة والإباحة. وقد عرفت ضعف ما تخيله، ووهن ما ارتكبه.
على أنا نقول: إن من الموارد التي ترك بعضهم فيه النص الصحيح وخلد إلى القاعدة - كما ذكره مدعي الإجماع مؤيدا على كون القاعدة مرعية مسلمة - باب الأغسال.
فنقول: أي دليل دل هنا على عدم التداخل حتى تركوا لأجله النص كما زعمه المورد؟ فإن كان إجماعا فلا ريب أن المشهور على التداخل، فكيف بالإجماع على عدمه! وإن كان نصا فقد عرفت أن النصوص دلت على التداخل. وإن كان أدلة الأسباب فلا يخفى عليك أن هذه الأدلة هي ما ذكرنا في أمثلة محل النزاع.
فإن كان صراحة هذه الأدلة في التعدد تعارض النص الصحيح المعتضد بفتوى الأكثر والأصل الأولي - على ما زعمه المخالف - فما بال نظائر ذلك لا تقبل فيها