كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر (1) ظاهر، بل صريح في أن الصوم على الصحيح الحاضر ليس بعسر، بل العسر وجوبه على المريض والمسافر، فكيف يقال: إن الصوم في اليوم الحار الطويل عسر مع أن كتاب الله ناطق بخلافه؟! ونظير ذلك من ملاحظة الآيات الأخر أيضا، فتدبر.
وقال الفاضل المحقق القمي: والذي يقتضيه النظر - بعد القطع بأن التكاليف الشاقة والمضار الكثيرة واردة في الشريعة - أن المراد بنفي العسر والضرر والحرج نفي ما هو زائد على ما هو لازم لطبائع التكاليف الثابتة بالنسبة إلى طاقة أوساط الناس، المبرئين عن المرض والعذر الذي هو معيار التكاليف، بل هي منتفية من الأصل إلا فيما ثبت وبقدر ما ثبت. والحاصل: أنا نقول: إن الله سبحانه لا يريد بعباده العسر والحرج، إلا من جهة التكاليف الثابتة بحسب أحوال متعارف الأوساط، وهم: الأغلبون، والباقي منفي، سواء لم يثبت أصله أصلا أو ثبت، ولكن على نهج لا يستلزم هذه الزيادة (2).
وهذا الكلام قابل لاحتمالين:
أحدهما: أن يكون المراد: أن عمومات العسر والحرج كسائر العمومات تخصص بما يرجح عليها من الأدلة بعد إعمال قواعد الترجيح، فيكون المراد: أن الله لا يريد الحرج إلا ما أراده وأثبته من التكاليف التي علم من الدليل، الراجح على دليل النفي.
وثانيهما: أن هذه العمومات تعليقية مقيدة في حد ذاتها بعدم الثبوت من الشرع، بمعنى: أنه كل ما لم يثبت من الشرع فهو عسر منفي، فيكون مؤكدا لأدلة أصل البراءة وجاريا مجراها، ولا يعارض الدليل الوارد على الثبوت، لأنه مقيد بعدم ورود وارد.