فإن قلت: إن الأمرين ضدان وبينهما واسطة وهو الاقتران، وإذا كان كذلك فإثبات أحدهما ينفي الاخر، ولكن نفي أحدهما لا يثبت الاخر، فإذا ثبت أصالة التأخر ثبت التقدم في ذلك الجانب وانتفى تقدم الأول واقترانه، لاستحالة اجتماع الضدين. بخلاف أصالة عدم تقدم العيب، فإنه لا يثبت تأخره ولا اقترانه، بل يتردد بين الاحتمالين، والمرتبة الواحدة إنما هي لو كان الأصل في كل منهما مثبتا للاخر، والفرض أن أصالة عدم التقدم لا يثبت تأخرا ولا اقترانا.
قلت: الغرض من تكافؤ الأصلين كون أحدهما نافيا للاخر، ومن المعلوم: أن أصالة التأخر في هذا مثبت لتقدم ذلك، وأصالة عدم تقدم ذلك ناف لتأخر هذا، فالأصلان متكافئان متناقضان، فجعل أحدهما تابعا للاخر تحكم.
هذا ما يتعلق بالمعارضة والنقض تبعا لهؤلاء الأساطين.
وأما تمام التحقيق الذي ينكشف به غطاء أبصار أهل النظر والاعتبار أن يقال:
إن الأصل الشرعي أو العقلي المعتبر فائدته في مثل المقام إدراج محل البحث تحت مقدمة صغرى ينضم إليها كبرى كلية من الشرع، فينتج المطلوب.
فالغرض من استصحاب نجاسة الشئ - مثلا - إثبات أن هذا الشئ نجس، حتى يقال: إن كل نجس لا يصح فيه الصلاة، ولا يجوز أكله، وهو منجس لملاقيه، وهكذا...
وحيث إن الموضوع الثابت بالأصل يكون شرعيا تعبديا لا واقعيا حقيقيا، فكل حكم ترتب على هذا الموضوع في الشرع يتفرع عليه، ولكن الحكم المتفرع قسمان:
أحدهما: أن يترتب على هذا الموضوع من دون توسط أمر خارجي وواسطة أخرى، كأحكام النجاسة المتقدمة.
وثانيهما: ما يترتب عليه بواسطة خارجية، وهذا أيضا قسمان: أحدهما: ما يكون تلك الواسطة - أيضا - لازما شرعيا لذلك الموضوع الثابت