الأسباب في ألف مقام وعرفنا منه إرادة التعدد، فذلك يفيد الظن بالمراد في محل الشك أيضا، فيكون كالقرينة، لا أن الغلبة حجة في الإلحاق، بل هي قرينة على الإرادة من اللفظ، ونظير ذلك في العرف كثير.
وتمام التحقيق في ذلك موكول إلى علم الأصول، والغرض هنا مجرد الإشارة إلى الوجوه للتنبيه.
وبالجملة: فما ذكرناه من الوجوه كافية في تتميم هذا الأصل. وهنا وجوه أخر.
أحدها: ما أشير إليه في ضمن المباحث السابقة من أن المتبادر اختصاص كل سبب بمسببه، وهو مقتض للتعدد، إذ المفهوم من قوله: (إذا تكلمت في الصلاة ناسيا فاسجد سجدتي السهو) وجوب السجود لخصوص التكلم، ومن قوله: (إذا شككت بين الأربع والخمس فاسجد) وجوب سجود آخر للشك غير الأول. وكذا (من تعمد الأكل في نهار رمضان فليكفر) و (من وطئ فيه فليكفر) ولا يتفاوت الوقوع في صلاة واحدة أو متعددة، أو في يوم واحد أو أيام متعددة قبل التكفير، أو بعده في ظاهر هذه الأدلة. وقس على ذلك النظائر في سائر الأبواب.
ويؤيد هذا التبادر ويشهد له طريقة الأصحاب كما أشرنا إليه سابقا. ولا يخفى هذا التبادر على من راجع محاورات أهل العرف.
ولا يقدح في ذلك كون بعض الأدلة غير لفظي كإجماع ونحوه، لأنه أيضا ينتهي غالبا إلى لفظ، وإن لم ينته إلى ذلك فهو يرجع إلى الشك في أنه سبب أم لا، وقد ذكرنا سابقا أن نزاع التداخل فيما دل دليل ظاهر على السببية.
كما أنه لا يرد ما قيل: إن انتشار أدلة الأسباب يمنع من دعوى التبادر في الجميع، لأنها مختلفة غاية الاختلاف.
لأنا نقول: ليس غرضنا دعوى التبادر من كل دليل لم نجده ولم نعرفه، فإن هذا رجم بالغيب لا يرتكبه أحد، بل غرضنا من ذلك: أن دليل السبب لو خلي