والعقلي - ولها وجوه (1):
منها: قوله تعالى: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين (2).
وجه الدلالة: أن الآية دلت على أن المكلفين ما أمروا بشئ من الأشياء - على ما هو مقتضى حذف المتعلق، فإنه من أسباب العموم - إلا لأجل العبادة مع الإخلاص، فحصر غاية الأوامر كلها على العبادة مع الإخلاص في الدين، أي: في القصد، فإنه المتبادر في المقام، فحصل من [هذه] (3) الآية كبرى كلية يندرج تحتها كل ما هو مشكوك في كونه عبادة، وهو المدعى.
ودعوى: أن الضمير في (أمروا) مجمل لم يتعين المراد منه، وهو حقيقة في الثلاثة وما فوق، ولم يعلم شموله لأي طائفة من المكلفين، مدفوعة برجوع الضمير إلى أهل الكتاب، كما يظهر من صدر الآية. كما أن المناقشة بأن ثبوته في المشركين وأهل الكتاب لا يقتضي ثبوته عندنا، مدفوعة بوجوه (4):
أحدها: أن الأصل عدم النسخ، ومجرد العلم الإجمالي بوجود المنسوخات لا يوجب عدم جريان الأصل في ذلك، إذ ما لم يثبت النسخ في الحكم الخاص فالأصل عدمه، ولم نعلم وجود المنسوخ إجمالا بين المشكوكات حتى يصير الشك في الحادث فيعارض بمثله، والمناقشات في هذه المقدمات واضحة الرد لا يعتنى بها.
وثانيها: الاستصحاب، لا بمعنى استصحاب كلي الحكم حتى لا يثبت العموم، ولا في خصوص المشكوك حتى يمنع بمنع وجوده في الشرائع السابقة، ولا في كل شئ وكل خطاب حتى يجاب بالقطع بوجود ما ليس بتعبدي في شريعتهم، بل المراد: استصحاب لزوم العمل بالقاعدة المستفادة من الآية، بمعنى: أن الآية لما أفادت أن كل أوامرهم للتعبد مع علمنا بوجود التوصليات عندهم وإرادة