إذا عرفت هذا، فنقول: إذا ورد الدليل على مثل هذه الأشياء، فالوجوه المحتملة القابلة للانطباق على القواعد أمور:
أحدها: القول بالنقل بمعنى الانقلاب من حينه، فإذا لحقه الشئ اللاحق جزءا كان أو شرطا أو وصفا أو معينا اختياريا للمكلف أو اضطراريا - كما في الأمثلة السابقة - يتبدل العمل الواقع - تكليفيا أو غيره - إلى ما يقتضيه الأمر اللاحق من حين لحوقه، بمعنى: أن ما مضى باق على حاله على ما كان سابقا، ويتغير الأمر فيما سيأتي، فيكون الشئ مركبا من طرفين متغايرين في الحكم.
وثانيها: القول بالكشف، بمعنى: أنه إذا لحق هذا الشئ اللاحق للعمل كشف عن كونه في الواقع مؤثرا لهذا التأثير الجديد من أول الأمر، ولكن المكلف ما كان يعرف هذا المعنى إلى أن اتضح له الأمر بعد اللحوق والعدم.
وثالثها: واسطة بين الأمرين قابل لأن تسميه نقلا وقابل لأن تسميه كشفا، وهو انقلاب الموضوع وتجدد التأثير من حين اللحوق، لكنه من أول الأمر.
وتوضيحه: أن الأمر اللاحق مؤثر في الآثار والأحكام، وليس مجرد أمارة، وهو من هذه الجهة كالنقل، ولكن ليس تأثيره من زمان وقوع نفسه، بل من زمان وقوع أول العمل.
مثلا: في مثل الوصية إذا لحقها القبول من الموصى له بعد الموت، فمعنى كونه ناقلا: انتقال الملك إلى الموصى له من زمان قبوله. وأما ما بين زمن وقوع الصيغة وزمن القبول فهو باق في مال الموصي أو في حكم ماله والنماء تابع. ومعنى كونه كاشفا: أن قبول الموصى له ليس له تأثير في الانتقال والعدم من زمانه، وإنما هو أمارة يعلم بها صحة الوصية وفسادها، فإذا لحقها القبول تبين صحتها وانتقال المال إليه من حين موت الموصي، والنماء المتخلل بين زمن الموت وزمن القبول مال الموصى له. وأما المعنى الثالث: فهو كشف في الثمرة ونقل في الاعتبار والدليل، لأن مقتضاه: أن قبل وقوع القبول ليس المال مال الموصى له، لا واقعا ولا