الواقع إما عادلان أم لا، ونحو ذلك غيره، وليس شئ من ذلك محل البحث.
وإنما البحث في أن الفعل متى ما وقع على وجه من الوجوه من نوع أو صنف في ذاته أو في أوصافه فهل هو قابل للانقلاب إلى شئ آخر مما يغايره في ذلك أو لا، بل الذي وقع على وجه لا يتغير عن وصفه بعد مضيه؟
فنقول: لا ريب أن مقتضى القاعدة عدم جواز انقلاب ما مضى، لأن الشئ إنما يتحقق بوجود المقتضي وفقد الموانع، وهو المعبر عنه ب (العلة التامة).
فإذا وجدت العلة التامة لمعلول معين يوجد في الخارج على مقتضاها، ولا يمكن أن يكون لذلك الشئ المعلول شرط متوقع، أو حادث متأخر يوجب تغيره عما وقع، لأن ذلك موجب لتأثير المعدوم في الموجود وتغير ما وقع، وهو مستحيل عقلا، وذلك من الواضحات التي لا تحتاج إلى إقامة دليل.
فإذا وقع عبادة في وجه من وجوهها أو معاملة على كيفية من الكيفيات - مؤثرة أو غير مؤثرة لازمة أو جائزة - فلا يمكن بعد ذلك تبدله من أول الأمر.
لا يقال: إن عموم ما دل على أن العمل بالنية (1) يقضي بأن العمل يتبدل بانقلاب النية كيف كان.
لأنا نقول: غاية ما دلت عليه هذه الأدلة كون العمل تابعا لها، والظاهر منه العمل التام، لا الأبعاض، فليس كل جزء من العمل إذا تبدل فيه النية ينقلب عما و عليه في ضمن الكل، سلمنا ذلك، لكن لا يلزم من ذلك كون النية اللاحقة مغيرة للعمل السابق، بل إنما تؤثر في ما بعدها من العمل كلا أو بعضا، إذ النية اللاحقة قد (2) تعارضها النية السابقة، فكما أن العمل تابع للاحقة فكذلك تابع للسابقة أيضا، فترجيح الثانية تحكم، غايته تبعية كل جزء منه لما صاحبه من النية، وهكذا الكلام في سائر الموانع اللاحقة، أو الشروط المتأخرة الموجبة لتغير العمل