قال الفاضل القمي: معناه: أنه تعالى لا يرضى بإضرار بعض عباده بعضا، ولا يفعل ما يضر العباد به، ويجوز لمن يتضرر دفع الضرر عن نفسه، فالمراد بنفي الضرر: نفي ما هو زائد على ما هو لازم لطبائع التكليفات الثابتة بالنسبة إلى طاقة أوساط الناس البريئين عن المرض والعذر الذي هو معيار مطلق التكاليف، بل هي منتفية من الأصل، إلا فيما ثبت وبقدر ما سبق، ولا يريد الله الضرر إلا من جهة التكاليف الثابتة بحسب أحوال متعارف الأوساط (1).
ويرد على ظاهر كلامه - كما مر في مسألة العسر -: أن قاعدة الضرر لا تعارض دليلا، إذ يكون على كلامه مقيدا بالضرر الذي لم يثبت من الشرع، فكلما دل عليه دليل في الجملة فلا ينفيه قاعدة الضرر، مع أن الفقهاء كثيرا ما ينفون ما عليه دليل - من عموم ونحوه - بقاعدة الضرر، لكن الظاهر أن مراده رحمه الله ليس ذلك، بل الظاهر أن غرضه: أن الضرر منفي، وهو أيضا كأحد العمومات، فما دل على خلافه لا بد فيه من ملاحظة التراجيح وقواعد الألفاظ، ونحو ذلك من قواعد التعارض.
ثم بعد ملاحظة الدليل وقوته لو ثبت شئ يوجبه فلا مانع منه، لا أن قاعدة الضرر مقيد بعدم دليل مطلقا، كأصل البراءة ونحوه.
ثم لا يخفى: أن مجرد النقص في المال والبدن ونحوه لا يعد ضررا مطلقا، بل إذا لم يكن بإزائه ما يجبره ويدفعه. فإن إعطاء شخص من ماله عشرة دراهم لشخص لأجل تحصيل خمسة عشر أو عشرة مع تعلق غرض بذلك لا يعد ضررا، وكذلك الفصد والحجامة وقلع الضرس ونحو ذلك لدفع ما هو أشد من ذلك لا يعد ضررا، ولا يعد شئ من ذلك لو صدر من شخص آخر بالنسبة إلى شخص إضرارا، بل لو كان في مقابله ما يساويه فليس بنفع ولا ضرر، ولو كان ما هو أهم منه وأعلى فهو يعد نفعا. فقد يقابل ضرر مالي بنفع بدني أو ديني أو عرضي وبالعكس، وقد