فنقول: هل مقتضى العقل انتفاؤهما أم لا؟
يمكن أن يقال: إن قضية العقل السليم عدم وقوعهما في التكاليف، نظرا إلى أن المتفق عليه عند أصحابنا وجوب اللطف على الله سبحانه، ومعناه: التقريب من الطاعة والتبعيد عن المعصية التي هي المهلكة العظمى. ولا ريب أن التكليف البالغ حد الحرج يبعد عن الطاعة ويكون باعثا إلى كثرة المخالفة، والله سبحانه أرحم بعباده من أن يفتنهم بما يوقعهم في العذاب غالبا.
وكما أن التكليف بما لا يطاق ممتنع عليه تعالى، للزوم القبح والخروج عن العدل، فكذلك التكليف بالحرج، فإنه مناف للطف والرحمة.
والمناقشة فيه: بمنع كون اللطف بهذا المعنى، ساقطة، إذ ليس المدار على لفظ (اللطف) بل المدار على ما ذكرناه من المعنى، وهو واجب عقلا بالتقريب المتقدم.
كما أن منع عموم الوجوب في اللطف لا موقع له بعد ما قررناه من الدليل هنا بالخصوص.
نعم، قد يقال: إن الواجب هو اللطف الواقعي، لا ما نتخيل أنه لطف، ولعل التكليف الواصل إلى حد الحرج لطف واقعا ونحن لا نعرفه.
وهذا الكلام من الغرابة بمقام! إذ لازمه سد باب حكم العقل، والمفروض أنا جعلنا الموضوع موضوعا موجبا لكثرة المخالفة والهلكة، ومن البديهيات أن هذا شئ غير قابل للخلاف.
ولا ندعي في مقام خاص أنه منه أو من غيره، بل نقول: إن الحرج الذي هو عبارة عن هذا الأمر الموجب لهذا الهلاك العظيم هل هو جائز على الرب الرؤوف الرحيم أم لا؟ ومن البديهي أن ذلك بهذا الفرض غير جائز، لقضية اللطف.
ودعوى: أن الحرج غير موجب لكثرة المخالفة ينافيها الوجدان والعيان.
قال في العوائد: قد يترتب على أمر صعب وضيق سهولة وسعة كثيرة دائمة أعلى وأرفع من هذا الصعب، ومقتضى اللطف التكليف بالصعب الأدنى للوصول