ونزيد ذلك توضيحا، ونقول - دفعا لما تخيل بعضهم من المناقشة في هذا الكلام -: إنا نرى بالعيان أن المولى إذا أمر عبده بالحضور في خدمته كل يوم ثلاث مرات - مثلا - وأمره بالإعطاء إلى الفقراء عشرا مما أعطاه مولاه، وأمره - مثلا - مدة قليلة بالامساك عن اللذائذ في كل سنة، وأمره في مدة عمره مرة بالذهاب إلى بلد بعيد لقضاء حوائج لمولاه في تلك البلاد مع إعداد أسباب سفره وإعطائه إياه ما يحتاج إليه في طريقه على حسب شأنه وحاله، وجعل له في كل ما يحتاج إليه من مقتضيات نفسه - من أكل وشرب ولبس ونكاح، ونحوه - من أصل ماله ما يرفع حاجته، بل زاده سعة في ذلك، ومنعه عن التعرض لأموال الناس والخيانة في أعراضهم وأنفسهم، وأغناه بعطائه عن التعرض لذلك كله، وأمره بالمعاشرة مع العبيد بالمعروف بحيث لا يترتب عليه الفساد، وأمره بدفع من كان عدوا له ولمولاه مع إمكانه، لا يعد هذا عسرا وحرجا بالنسبة إلى ذلك العبد، وكيف يكون ذلك حرجا مع أن هذه الطريقة طريقة أحسن الناس نفسا ورتبة وعليه عادة الناس خلفا وسلفا بالنسبة إلى أحبائهم وعشائرهم؟ وكيف يعد إتيان مثل هذه الأشياء حرجا إذا أمر به الحكيم على الإطلاق، ولا يعد حرجا بالنسبة إلى الخلق المحتاج بعضهم لبعض؟
وإنا نرى أن المقدسين المتعبدين بهذا الشرع يباشرون هذه التكاليف ويزيدون عليه من المندوبات إلى ما شاء الله، ومع ذلك هم في قيامهم وقعودهم ومعاشرتهم مع الناس وتزينهم بما أحل الله لهم من الطيبات على أحسن حال وأكمل رفاهية.
ولو كان هذا من الضيق والحرج لعم سائر الناس، فإن الضيق معنى معروف عرفا، مضافا إلى أن عوام أهل الشريعة قد رسخ في أذهانهم أن هذه الشريعة أسهل ما يكون من الأعمال بحيث لو فعل هذه الخدمات كلها عبد لمولاه - بل صديق لصديقه - ما يعد في نظرهم مثل هذه الأشياء خدمة وإظهار إخلاص، فكيف في