والحاصل: الفرق بين ما ذكرناه من موارد العسر والحرج وبين هذه التكاليف الثابتة واضح جدا.
فالحق أن ما ورد في الشرع من التكاليف ليس مما يعد عسرا وحرجا عرفا، وكفاك في هذا المعنى ملاحظة الآيات في هذا الباب.
نعم، بقي علينا الأشكال الثاني، وهو: استدلال الأئمة [عليهم السلام] في بعض الأمور الجزئية بنفي الحرج، وهو العمدة في هذا المقام.
فنقول أولا: إن هذه الاستدلالات غالبا في قبال العامة، والمقصود إسكاتهم بظاهر الكتاب.
وثانيا: أن أغلب موارد الاستدلال يعد في العرف حرجا، ولو لم يكن فيه نص خاص لكنا ننفيه أيضا بالعموم.
ودعوى: أنها أسهل من إيجاب الزكاة والحج، ممنوعة، بمعنى: أنا لا ننكر صعوبة مثل الجهاد، لكن المدار على صدق الضيق والحرج، دون الصعوبة وزيادة مرتبة العمل ومقداره، ولا بعد في عدم عد الناس وجوب الجهاد - مثلا - ضيقا وحرجا، لوقوعه كثيرا بين الناس بدواعيهم النفسانية، وعدهم نجاسة ماء الاستنجاء حرجا من جهة كثرة وقوعه وقلة المياه، سيما في مكة والحجاز وأمثالهما، فإن الالتزام بتطهير كل ما يصيبه شئ من ذلك يعد حرجا.
وبالجملة: لا يدور العسر والحرج مدار شدة التكليف وعظم شأنه وعلو مقامه في الأقطار (1)، بل قد يتخلف عن ذلك كثيرا، ومدارهما غالبا على زيادة الكم، وغلبة الوقوع، وعموم البلوى، وندرة المناص والعلاج وإن كان شيئا لا يعد تكليفا في نظر العقلاء والمكلفين، فتدبر في أطراف الكلام تفز في إبداء الفرق بحظ وافر، فإن المقام لا يخلو من دقة وإن استوحش منه الناظر ابتداءا، ولكن الفقيه يدور مدار صدق اللفظ وتصديق أهل العرف واللسان.