فأعرض عنه بمجرد عروضه عفى عنه، ولا يعد محدثا لنفسه. واعلم أن الحديث قد أفاد الترتيب بين الأعضاء المعطوفة بثم، وأفاد التثليث، ولم يدل على الوجوب، لأنه إنما هو صفة فعل ترتبت عليه فضيلة، ولم يترتب عليه عدم إجزاء الصلاة إلا إذا كان بصفته، ولا ورد بلفظ يدل على إيجاب صفاته. فأما الترتيب فخالفت فيه الحنفية وقالوا: لا يجب. وأما التثليث فغير واجب بالاجماع، وفيه خلاف شاذ. ودليل عدم وجوبه: تصريح الأحاديث بأنه (ص) توضأ مرتين مرتين، ومرة مرة، وبعض الأعضاء ثلثها، وبعضها بخلاف ذلك، وصرح في وضوء مرة مرة: أنه لا يقبل الله الصلاة إلا به. وأما المضمضة والاستنشاق فقد اختلف في وجوبهما. فقيل: يجبان، لثبوت الامر بهما في حديث أبي داود بإسناد صحيح. وفيه: وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما ولأنه واظب عليهما في جميع وضوئه. وقيل: إنهما سنة، بدليل حديث أبي داود والدارقطني وفيه: إنه لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء، كما أمر الله تعالى، فيغسل وجهه، ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه، ورجليه إلى الكعبين، فلم يذكر المضمضة والاستنشاق، فإنه اقتصر فيه على الواجب الذي لا يقبل الله الصلاة إلا به، وحينئذ فيؤول حديث الامر بأنه أمر ندب.
[رح 3] - وعن علي رضي الله عنه - في صفة وضوء النبي (ص) - قال: ومسح برأسه واحدة. أخرجه أبو داود: وأخرجه الترمذي والنسائي بإسناد صحيح. بل قال الترمذي: إنه أصح شئ في الباب. (وعن علي عليه السلام) هو أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله (ص)، أول من أسلم من الذكور في أكثر الأقوال، على خلاف في سنه، كم كان وقت إسلامه؟ وليس في الأقوال: أنه بلغ ثماني عشرة، بل مترددة بين ست عشرة إلى سبع سنين، شهد المشاهد كلها إلا تبوك، فأقامه (ص) في المدينة خليفة عنه، وقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى. استخلف يوم قتل عثمان يوم الجمعة لثمان عشر خلت من شهر ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، واستشهد صبح الجمعة بالكوفة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعين، ومات بعد ثلاث من ضربة الشقي ابن ملجم له، وقيل: غير ذلك. وخلافته أربع سنين وسبعة أشهر وأيام، وقد ألفت في صفاته وبيان أحواله كتب جمة، واستوفينا شطرا صالحا من ذلك في الروضة الندية شرح التحفة العلوية. (في صفة وضوء النبي (ص) قال: ومسح برأسه واحدة.
أخرجه أبو داود) هو قطعة من حديث طويل استوفى فيه صفة الوضوء من أوله إلى اخره، وهو يفيد ما أفاد حديث عثمان، وإنما أتى المصنف بما فيه التصريح بما لم يصرح به في حديث عثمان، وهو مسح الرأس مرة، فإنه نص أنه واحدة مع تصريحه بتثليث ما عداه من الأعضاء. وقد اختلف العلماء في ذلك، فقال قوم: بتثليث مسحه كما يثلث غيره من الأعضاء، إذ هو من جملتها، وقد ثبت في الحديث تثليثه، وإن لم يذكر في كل حديث ذكر فيه تثليث الأعضاء، فإنه قد أخرج أبو داود من حديث عثمان في تثليث المسح، أخرجه من وجهين صحح أحدهما ابن خزيمة، وذلك كاف في ثبوت هذه السنة. وقيل: لا يشرع تثليثه، لان أحاديث عثمان الصحاح كلها - كما قال أبو داود - تدل على مسح الرأس مرة واحدة، وبأن المسح مبني على التخفيف، فلا يقاس على الغسل، وبأن العدد لو اعتبر في المسح لصار في صورة الغسل.