ويحتمل: أن ابن حبان صحح أحاديث أخرجها غيره، ولم يخرجها هو، وهو بعيد. وقد أعل الحديث ابن القطان بمسلم بن سلام الحنفي، فإنه لا يعرف، وقال الترمذي: قال البخاري:
لا أعلم لعلي بن طلق غير هذا الحديث الواحد. والحديث دليل على أن الفساء ناقض للوضوء، وهو مجمع عليه، ويقاس عليه غيره من النواقض، وأنه تبطل به الصلاة، وقد تقدم حديث عائشة فيمن أصابه قئ في صلاته، أو رعاف، فإنه ينصرف، ويبني على صلاته، حيث لم يتكلم. وهو معارض لهذا، وكل منهما فيه مقال، والشارح جنح إلى ترجيح هذا، قال: لأنه مثبت لاستئناف الصلاة، وذلك ناف. وقد يقال: هذا ناف لصحة الصلاة، وذلك مثبت لها، فالأولى الترجيح: بأن هذا: قال بصحته ابن حبان، وذلك: لم يقل أحد بصحته، فهذا أرجح من حيث الصحة.
(وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي (ص) قال: لا يقبل الله صلاة حائض) المراد بها المكلفة، وإن تكلفت بالاحتلام مثلا، وإنما عبر بالحيض نظرا إلى الأغلب (إلا بخمار) بكسر الخاء المعجمة اخره راء، هو هنا: ما يغطي به الرأس والعنق (رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه ابن خزيمة)، وأخرجه أحمد، والحاكم، وأعله الدارقطني، وقال:
إن وقفه أشبه، وأعله الحاكم بالارسال. ورواه الطبراني في الصغير، والأوسط من حديث أبي قتادة بلفظ: لا يقبل الله من امرأة صلاة حتى توارى زينتها، ولا من جارية بلغت المحيض حتى تختمر. ونفى القبول المراد به هنا: نفي الصحة والاجزاء، وقد يطلق القبول، ويراد به: كون العبادة بحيث يترتب عليها الثواب، فإذا نفى: كان نفيا لما يترتب عليها من الثواب، لا نفيا للصحة، كما ورد: إن الله لا يقبل صلاة الآبق، ولا من في جوفه خمر كذا قيل. وقد بينا في رسالة الاسبال وحواشي شرح العمدة: أن نفي القبول يلازم نفي الصحة، وفي قوله: إلا بخمار ما يدل على أنه يجب على المرأة ستر رأسها، وعنقها، ونحوه مما يقع عليه الخمار. ويأتي في حديث أبي داود: من حديث أم سلمة في صلاة المرأة في درع وخمار، ليس عليها إزار، وأنه قال (ص): إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها فيدل على أنها لا بد في صلاتها من تغطية رأسها، ورقبتها، كما أفاده حديث الخمار، ومن تغطية بقية بدنها حتى ظهر قدميها، كما أفاده حديث أم سلمة، ويباح كشف وجهها حيث لم يأت دليل بتغطيته، والمراد: كشفه عند صلاتها بحيث لا يراها أجنبي، فهذه عورتها في الصلاة. وأما عورتها بالنظر إلى نظر الأجنبي إليها فكلها عورة، كما يأتي تحقيقه. وذكره هنا، وجعل عورتها في الصلاة هي عورتها بالنظر إلى نظر الأجنبي، وذكر الخلاف في ذلك ليس محله هنا، إذ لها عورة في الصلاة، وعورة في نظر الأجانب، والكلام الآن في الأول. والثاني يأتي في محله.
(وعن جابر رضي الله عنه: أن النبي (ص) قال: إذا كان الثوب واسعا فالتحف به: يعني في الصلاة. ولمسلم: فخالف بين طرفيه) وذلك: بأن يجعل شيئا منه على عاتقه (وإن كان ضيقا فاتزر به. متفق عليه) الالتحاف في معنى الارتداء، وهو أن يتزر بأحد طرفي الثوب، ويرتدي بالطرف الاخر، وقوله: يعني في الصلاة، الظاهر: