الماء، واستدلوا على أن هذا اخر الامرين: بما رواه أحمد وغيره من طريق الزهري، عن أبي بن كعب أنه قال: إن الفتيا التي كانوا يقولون: إن الماء من الماء رخصة، كان رسول الله (ص) رخص بها في أول الاسلام، ثم أمر بالاغتسال بعد صححه ابن خزيمة، وابن حبان، وقال الإسماعيلي: إنه صحيح على شرط البخاري، وهو صريح في النسخ. على أن حديث الغسل وإن لم ينزل أرجح لو ثلم يثبت النسخ، منطوق في إيجاب الغسل، وذلك مفهوم، والمنطوق مقدم على العمل بالمفهوم، وإن كان المفهوم موافقا للبراءة الأصلية، والآية تعضد المنطوق في إيجاب الغسل، إنه قال تعالى: * (وإن كنتم جنبا فاطهروا) *. قال الشافعي: إن كلام العرب يقتضي: أن الجنابة تطلق بالحقيقة على الجماع، وإن لم يكن فيه إنزال، قال: فإن كل من خوطب بأن فلانا أجنب عن فلانة، عقل: أنه أصابها، وإن لم ينزل. قال: ولم يختلف أن الزنا الذي يجب به الجلد هو الجماع، ولو لم يكن منه إنزال اه. فتعاضد الكتاب والسنة على إيجاب الغسل من الايلاج.
(وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص) في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل قال: تغتسل. متفق عليه، زاد مسلم فقالت أم سلمة: وهل يكون هذا؟ قال: نعم، فمن أين يكون الشبه) بكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة وبفتحهما لغتان، اتفق الشيخان على اخراجه من طرق عن أم سلمة، وعائشة، وأنس، ووقعت هذه المسألة لنساء من الصحابيات: لخولة بنت حكيم عند أحمد، والنسائي، وابن ماجة، ولسهلة بنت سهيل عند الطبراني، ولبسرة بنت صفوان عند ابن أبي شيبة. والحديث دليل على أ المرأة ترى ما يراه الرجل في منامه، والمراد إذا أنزلت الماء، كما في البخاري: قال: نعم إذا رأت الماء.
أي المني بعد الاستيقاظ، وفي رواية: هن شقائق الرجال. وفيه: ما يدل على أن ذلك غالب من حال النساء كالرجال. ورد على من زعم أن مني المرأة لا يبرز. وقوله: فمن أين يكون الشبه استفهام إنكار، وتقرير أن الولد تارة يشبه أباه، وتارة يشبه أمه وأخواله، فأي الماءين غلب كان الشبه للغالب.
(وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله (ص) يغتسل من أربع: من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن الحجامة، ومن غسل الميت. رواه أبو داود، وصححه ابن خزيمة) ورواه أحمد والبيهقي، وفي إسناده مصعب بن شيبة، وفيه مقال. والحديث دليل على مشروعية الغسل في هذه الأربعة الأحوال. فأما الجنابة فالوجوب ظاهر. وأما الجمعة: ففي حكمه ووقته خلاف. أما حكمه فالجمهور على أنه مسنون لحديث سمرة: من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل. يأتي قريبا. وقال داود، وجماعة: إنه واجب، لحديث: غسل الجمعة واجب على كل محتلم يأتي قريبا، أخرجه السبعة من حديث أبي سعيد وأجيب: بأنه يحمل الوجوب على تأكد السنية. وأما وقته: ففيه خلاف أيضا.
فعند الهادوية: أنه من فجر الجمعة إلى عصرها، وعند غيرهم: أنه للصلاة، فلا يشرع بعدها ما لم يدخل وقت العصر. وحديث من أتى الجمعة فليغتسل دليل الثاني، وحديث عائشة هذا يناسب الأول. أما الغسل من الحجامة: فقيل: هو سنة، وتقدم حديث أنس: أنه (ص)