وذلك أنه، وإن كان لفظه نفيا، فهو في معنى النهي، وأصل النهي التحريم. قال الترمذي:
أجمع أهل العلم على كراهة أن يصلي الرجل بعد الفجر إلا ركعتي الفجر. قال المصنف:
دعوى الترمذي الاجماع عجيب. فإن الخلاف فيه مشهور، حكاه ابن المنذر، وغيره، وقال الحسن البصري: لا بأس بها، وكان مالك يرى: أن يفعل من فاتته الصلاة في الليل. والمراد ببعد الفجر: بعد طلوعه كما دل له قوله: (وفي رواية عبد الرزاق) أي عن ابن عمر: (لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر)، وكما يدل له قوله.
(ومثله للدارقطني عن عمرو بن العاص)، رضي الله عنه. فإنهما فسرا المراد ببعد الفجر، وهذا وقت سادس من الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها، وقد عرفت الخمسة الأوقات مما مضى، إلا أنه قد عارض النهي عن الصلاة بعد العصر الذي هو أحد الستة الأوقات الحديث (وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: صلى رسول الله (ص) العصر ثم دخل بيتي فصلى ركعتين فسألته) في سؤالها: ما يدل على أنه (ص) لم يصلهما قبل ذلك عندها، أو أنها قد كانت علمت بالنهي، فاستنكرت مخالفة الفعل له (فقال شغلت عن ركعتين بعد الظهر) قد بين الشاغل له (ص): أنه أتاه ناس من عبد القيس، وفي رواية عن ابن عباس عند الترمذي: أنه (ص) وسلم أتاه ما شغله عن الركعتين بعد الظهر (فصليتهما الآن) أي: قضاء عن ذلك، وقد فهمت أم سلمة أنهما قضاء، فلذا قالت: (قلت: أفنقضيهما إذا فاتتا؟) أي كما قضيتهما في هذا الوقت (قال: لا) أي لا تقضوهما في هذا الوقت، بقرينة السياق، وإن كان النفي غير مقيد (أخرجه أحمد) إلا أنه سكت عليه المصنف هنا. وقال بعد سياقه له في فتح الباري: إنها رواية ضعيفة لا تقوم بها حجة، ولم يبين هنالك وجه ضعفها، وما كان يحسن منه أن يسكت هنا عما قيل فيه.
والحديث: دليل على ما سلف من أن القضاء في ذلك الوقت كان من خصائصه (ص).
وقد دل على هذا حديث عائشة: أنه (ص)، كان يصلي بعد العصر، وينهى عنها، ويواصل، وينهى عن الوصال أخرجه أبو داود، ولكن قال البيهقي: الذي اختص به (ص): المداومة على الركعتين بعد العصر، لا أصل القضاء اه. ولا يخفى أن حديث أم سلمة المذكور: يرد هذا القول، ويدل على أن القضاء خاص به أيضا، وهذا الذي أخرجه أبو داود، هو الذي أشار إليه المصنف بقوله:
(ولأبي داود عن عائشة رضي الله عنها بمعناه). تقدم الكلام فيه.
باب الأذان الأذان لغة: الاعلام، قال وأذان من الله ورسوله وشرعا: الاعلام بوقت الصلاة: بألفاظ مخصوصة، وكان فرضه بالمدينة في السنة الأولى من الهجرة، ووردت أحاديث تدل على أنه شرع بمكة. والصحيح الأول.
(عن عبد الله بن زيد) هو أبو محمد عبد الله بن زيد (بن عبد ربه) الأنصاري