بهذه الأحاديث قالوا: وأحاديث غسله محمولة على الندب، وليس الغسل دليل النجاسة، فقد يكون لأجل النظافة، وإزالة الدرن، ونحوه. قالوا: وتشبيهه بالبزاق والمخاط دليل على طهارته أيضا، والامر بمسحه بخرقة، أو إذخرة لأجل إزالة الدرن المستكره بقاؤه في ثوب المصلى، ولو كان نجسا لما أجزأ مسحه. وأما التشبيه للمني بالفضلات المستقذرة من البول والغائط، كما قاله من قال بنجاسته، فلا قياس مع النص. قال الأولون: هذه الأحاديث في فركه وحته إنما هي في منيه (ص)، وفضلاته (ص) طاهرة فلا يلحق به غيره. وأجيب عنه: بأن عائشة أخبرت عن فرك المني من ثوبه، فيحتمل أنه عن جماع، وقد خالطه مني المرأة، فلم يتعين أنه منيه (ص) وحده، والاحتلام على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام غير جائز، لأنه من تلاعب الشيطان، ولا سلطان له عليهم ولأنه قيل إنه منيه (ص)، وأنه من فيض الشهوة بعد تقدم أسباب خروجه من ملاعبة ونحوها، وأنه لم يخالطه غيره، فهو محتمل، ولا دليل مع الاحتمال. وذهبت الحنفية إلى نجاسة المني كغيرهم، ولكن قالوا: يطهره الغسل، أو الفرك، أو الإزالة بالإذخر، أو الخرقة عملا بالحديثين. وبين الفريقين القائلين بالنجاسة، والقائلين بالطهارة مجادلات، ومناظرات، واستدلالات طويلة استوفيناها في حواشي شرح العمدة.
وعن أبي السمح رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام أخرجه أبو داود والنسائي، وصححه الحاكم. (وعن أبي السمح) بفتح السين المهملة وسكون الميم فحاء مهملة، واسمه إياد بكسر الهمزة ومثناة تحتية مخففة بعد الألف دال مهملة، وهو خادم رسول الله (ص) له حديث واحد (قال: قال رسول الله (ص): يغسل من بول الجارية) في القاموس: أن الجارية فتية النساء (ويرش من بول الغلام أخرجه أبو داود، والنسائي، وصححه الحاكم). وأخرج الحديث أيضا البزار، وابن ماجة، وابن خزيمة من حديث أبي السمح قال: كنت أخدم النبي (ص)، فأتي بحسن أو حسين، فبال على صدره فجئت أغسله، فقال: يغسل من بول الجارية، الحديث. وقد رواه أيضا أحمد، وأبو داود وابن خزيمة، وابن ماجة، والحاكم من حديث لبابة بنت الحارث قالت: كان الحسين وذكرت الحديث وفي لفظه: يغسل من بول الأنثى، وينضح من بول الذكر ورواه المذكورون، وابن حبان من حديث علي عليه السلام قال: قال رسول الله (ص) في بول الرضيع:
ينضح بول الغلام، ويغسل بول الجارية قال قتادة راويه: هذا ما لم يطعما فإذا طعما غسلا.
وفي الباب أحاديث مرفوعة، وهي كما قال الحافظ البيهقي: إذا ضم بعضها إلى بعض قويت. والحديث دليل على الفرق بين بول الغلام وبول الجارية في الحكم، وذلك قبل أن يأكلا الطعام، كما قيده به الراوي، وقد روي مرفوعا أي بالتقييد بالطعم لهما. وفي صحيح ابن حبان، والمصنف لابن أبي شيبة عن ابن شهاب: مضت السنة أن يرش بول من لم يأكل الطعام من الصبيان، والمراد ما لم يحصل لهم الاغتذاء بغير اللبن على الاستقلال، وقيل: غير ذلك. وللعلماء في ذلك ثلاثة مذاهب: الأول: للهادوية، والحنفية، والمالكية، أنه يجب غسلها كسائر النجاسات قياسا لبولهما على سائر النجاسات، وتأولوا الأحاديث، وهو تقديم للقياس على النص. الثاني:
وجه للشافعية، وهو أصح الأوجه عندهم: أنه يكفي النضح في بول الغلام، لا الجارية، فكغيرها من