أن بعض أصحاب الحديث خرج له مائة وعشرين طريقا وقال أحمد: إنه منسوخ، بما رواه البيهقي عن ابن عباس: أنه (ص) قال: ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه، إن ميتكم يموت طاهرا، وليس بنجس فحسبكم أن تغسلوا أيديكم، ولكنه ضعفه البيهقي، وتعقبه المصنف، لأنه قال البيهقي: هذا ضعيف، والحمل فيه على أبي شيبة. قال المصنف: أبو شيبة هو إبراهيم بن أبي بكر بن شيبة، احتج به النسائي، ووثقه الناس، ومن فوقه احتج بهم البخاري إلى أن قال: فالحديث حسن. ثم قال في الجمع بينه، وبين الامر في حديث أبي هريرة: إن الامر للندب. قلت: وقرينته حديث ابن عباس هذا، وحديث ابن عمر عند عبد الله بن أحمد: كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل. قال المصنف:
إسناده صحيح، وهو أحسن ما جمع به بين هذه الأحاديث. وأما قوله: ومن حمله فليتوضأ فلا أعلم قائلا يقول: بأنه يجب الوضوء من حمل الميت، ولا يندب. قلت: ولكنه مع نهوض الحديث لا عذر عن العمل به. ويفسر الوضوء بغسل اليدين، كما يفيده التعليل بقوله: إن ميتكم يموت طاهرا، فإن لمس الطاهر لا يوجب غسل اليدين منه، فيكون في حمل الميت غسل اليدين ندبا تعبدا، إذ المراد إذا حمله مباشرا لبدنه، بقرينة السياق، ولقوله: يموت طاهرا فإنه لا يناسب ذلك إلا من يباشر بدنه بالحمل.
وعن عبد الله بن أبي بكر - رضي الله عنه -: أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله (ص) لعمرو بن حزم: أن لا يمس القران إلا طاهر. رواه مالك مرسلا، ووصله النسائي وابن حبان، وهو معلول. (وعن عبد الله بن أبي بكر) هو ابن أبي بكر الصدق، أمه وأم أسماء واحدة، أسلم قديما، وشهد مع رسول الله (ص) الطائف، وأصابه سهم انقض عليه بعد سنين فمات منه في شوال سنة إحدى عشرة، وصلى عليه أبوه: (إن في الكتاب الذي كتبه رسول الله (ص) لعمرو بن حزم) هو عمرو بن حزم بن زيد الخزرجي النجاري، يكنى أبا الضحاك، أول مشاهده الخندق، واستعمله (ص) على نجران، وهو ابن سبع عشرة سنة ليفقههم في الدين، ويعلمهم القران، ويأخذ صدقاتهم، وكتب له كتابا فيه الفرائض، والسنن، والصدقات، والديات. وتوفي عمرو بن حزم في خلافة عمر بالمدينة، ذكر هذا ابن عبد البر في الاستيعاب: (أن لا يمس القران إلا طاهر رواه مالك مرسلا، ووصله النسائي، وابن حبان، وهو معلول). حقيقة المعلول: الحديث الذي يطلع على الوهم فيه بالقرائن، وجمع الطرق فيقال له: معلل ومعلول، والأجود أن يقال فيه المعل: من أعله. والعلة عبارة عن أسباب خفية غامضة طرأت على الحديث، فأثرت فيه، وقدحت. وهو من أغمض أنواع علوم الحديث، وأدقها، ولا يقوم بذلك إلا من رزقه الله فهما ثاقبا، وحفظا واسعا، ومعرفة تامة بمراتب الرواة، وملكة قوية بالأسانيد، والمتون. وإنما قال المصنف: إن هذا الحديث معلول، لان من رواية سليمان بن داود، وهو متفق على تركه، كما قال ابن حزم، ووهم في ذلك، فإنه ظن أنه سليمان بن داود اليماني، وليس كذلك بل هو سليمان بن داود الخولاني، وهو ثقة، أثنى عليه أبو زرعة، وأبو حاتم، وعثمان بن سعيد، وجماعة من الحفاظ، واليماني هو المتفق على ضعفه. وكتاب عمرو بن حزم تلقاه الناس بالقبول. قال ابن عبد البر: إنه أشبه المتواتر لتلقي الناس له بالقبول.
وقال يعقوب بن سفيان: لا أعلم كتابا أصح من هذا الكتاب، فإن أصحاب رسول الله (ص)،