عن أنس بن مالك قال: كان أصحاب رسول الله (ص) على عهده ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم، ثم يصلون ولا يتوضأون. أخرجه أبو داود، وصححه الدارقطني، وأصله في مسلم. (عن أنس بن مالك قال: كان أصحاب رسول الله (ص) على عهده ينتظرون العشاء حتى تخفق) من باب ضرب يضرب: أي: تميل (رؤوسهم) أي من النوم (ثم يصلون ولا يتوضأون. أخرجه أبو داود، وصححه الدارقطني، وأصله في مسلم) وأخرجه الترمذي، وفيه يوقظون للصلاة، وفيه حتى إني لأسمع لأحدهم غطيطا، ثم يقومون فيصلون ولا يتوضأون. وحمله جماعة من العلماء على نوم الجالس، ودفع هذا التأويل:
بأن في رواية عن أنس: يضعون جنوبهم رواها يحيى القطان. قال ابن دقيق العيد: يحمل على النوم الخفيف. ورد: بأنه لا يناسبه ذكر الغطيط، والايقاظ، فإنهما لا يكونان إلا في نوم مستغرق. وإذا عرفت هذا فالأحاديث قد اشتملت على خفقة الرأس، وعلى الغطيط، وعلى الايقاظ، وعلى وضع الجنوب، وكلها وصفت بأنهم كانوا لا يتوضأون من ذلك، فاختلف العلماء في ذلك على أقوال ثمانية: الأول: أن النوم ناقض مطلقا على كل حال، بدليل إطلاقه في حديث صفوان بن عسال الذي سلف في مسح الخفين، وفيه: من بول، أو غائط، أو نوم.
قالوا: فجعل مطلق النوم كالغائط، والبول في النقض، وحديث أنس - بأي عبارة روي - ليس في بيان أنه قررهم رسول الله (ص) على ذلك، ولا رآهم، فهو فعل صحابي لا يدري كيف وقع، والحجة إنما هي في أفعاله، وأقواله، وتقريراته (ص). القول الثاني: أنه لا ينقض مطلقا، لما سلف من حديث أنس، وحكاية نوم الصحابة على تلك الصفات، ولو كان ناقضا لما أقرهم الله عليه، وأوحى إلى رسوله (ص) في ذلك، كما أوحي إليه في شأن نجاسة نعله، وبالأولى صحة صلاة من خلفه، ولكنه يرد عليهم بحديث صفوان بن عسال. القول الثالث: أن النوم ناقض كله، إنما يعفى عن خفقتين ولو توالتا، وعن الخفقات المتفرقات، وهو مذهب الهادوية، والخفقة: هي ميلان الرأس من النعاس، وحد الخفقة أن لا يستقر رأسه من الميل حتى يستيقظ، ومن لم يمل رأسه عفي له عن قدر خفقة، وهي ميل الرأس فقط حتى يصل ذقنه صدره، قياسا على نوم الخفقة، ويحملون أحاديث أنس على النعاس الذي لا يزول معه التمييز. ولا يخفى بعده. القول الرابع: أن النوم ليس بناقض بنفسه بل هو مظنة للنقض لا غير، فإذا نام جالسا ممكنا مقعدته من الأرض لم ينتقض، وإلا انتقض، وهو مذهب الشافعي، واستدل بحديث علي عليه السلام: العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ حسنه الترمذي، إلا أن فيه من لا تقوم به حجة، وهو بقية بن الوليد، وقد عنعنه، وحمل أحاديث أنس على من نام ممكنا مقعدته، جمعا بين الأحاديث، وقيد حديث صفوان بحديث علي عليه السلام هذا. الخامس: أنه إذا نام على هيئة من هيئات المصلي راكعا، أو ساجدا، أو قائما، فإنه لا ينتقض وضوؤه سواء كان في الصلاة، أو خارجها، فإن نام مضجعا، أو على قفاه نقض، واستدل له بحديث: إذا نام العبد في سجوده باهى الله به الملائكة. يقول: عبدي روحه عندي وجسده ساجد بين يدي رواه البيهقي وغيره، وقد ضعف. قالوا: فسماه ساجدا وهو نائم، ولا سجود إلا بطهارة. وأجيب: بأنه سماه باعتبار أول أمره، أو باعتبار هيئته. السادس: أنه ينتقض إلا نوم الراكع والساجد، للحديث الذي سبق، وإن كان خاصا بالسجود، فقد قاس عليه الركوع، كما قاس الذي قبله سائر هيئات المصلى. السابع: