من الظروف، مبالغة في كثرة الحمد، وزاد مبالغة بذكر ما يشاؤه تعالى، مما لا يعلمه العبد، والثناء:
الوصف بالجميل والمدح والمجد والعظمة ونهاية الشرف، والجد بفتح الجيم معناه الحظ: أي لا ينفع ذا الحظ من عقوبتك حظه، بل ينفعه العمل الصالح، وروى بالكسر للجيم، أي لا ينفعه جده واجتهاده، وقد ضعفت رواية الكسر.
(وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ص):
أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة - وأشار بيده إلى أنفه - واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين متفق عليه). وفي رواية: أمرنا أي: أيها الأمة، وفي رواية: أمر النبي (ص) والثلاث الروايات: للبخاري، وقوله: وأشار بيده إلى أنفه فسرتها رواية النسائي. قال ابن طاوس: وضع يده على جبهته، وأمرها على أنفه، وقال: هذا واحد قال القرطبي: هذا يدل على أن الجبهة الأصل في السجود، والأنف تبع لها. قال ابن دقيق العيد: معناه: أنه جعلهما كأنهما عضو واحد، وإلا لكانت الأعضاء ثمانية.
والمراد من اليدين: الكفان، وقد وقع بلفظهما في رواية، والمراد من قوله: وأطراف القدمين:
أن يجعل قدميه قائمتين على بطون أصابعهما: وعقباه مرتفعتان، فيستقبل بظهور قدميه القبلة.
وقد ورد هذا في حديث أبي حميد في صفة السجود، وقيل: يندب ضم أصابع اليدين، لأنها لو انفرجت انحرفت رؤوس بعضها عن القبلة، وأما أصابع الرجلين، فقد تقدم في حديث أبي حميد الساعدي في باب صفة الصلاة بلفظ: واستقبل بأصابع رجليه القبلة. هذا. والحديث دليل على وجوب السجود على ما ذكر، لأنه ذكر (ص) بلفظ الاخبار عن أمر الله له، ولأمته، والامر لا يرد إلا بنحو صيغة أفعل، وهي تفيد الوجوب. وقد اختلف في ذلك، فالهادوية وأحد قولي الشافعي: أنه للوجوب: لهذا الحديث، وذهب أبو حنيفة: إلى أنه يجزئ السجود على الانف فقط، مستدلا بقوله: وأشار بيده إلى أنفه. قال المصنف في فتح الباري:
وقد احتج لأبي حنيفة بهذا: في السجود على الانف، قال ابن دقيق العيد: والحق أن مثل هذا لا يعارض: التصريح بالجبهة، وإن أمكن أن يعتقد أنهما كعضو واحد، فذلك في التسمية والعبارة، لا في الحكم الذي دل عليه. انتهى.
واعلم أنه وقع هنا في الشرح: أنه ذهب أبو حنيفة، وأحد قولي الشافعي، وأكثر الفقهاء إلى: أن الواجب الجبهة فقط، لقوله: (ص) في حديث المسئ صلاته، ومكن جبهتك، فكان قرينة على حمل الامر هنا على غير الوجوب. وأجيب عنه: بأن هذا لا يتم إلا بعد معرفة تقدم هذا على حديث المسئ صلاته، ليكون قرينة على حمل الامر على الندب، وأما لو فرض تأخره لكان في هذا زيادة شرع، ويمكن أن تتأخر شرعيته، ومع جهل التاريخ: يرجح العمل بالموجب لزيادة الاحتياط، كذا قاله الشارح، وجعل السجود على الجبهة والأنف مذهبا للعترة، فحولنا عبارته إلى الهادوية، مع أنه ليس مذهبهم إلا السجود على الجبهة فقط، كما في البحر وغيره. ولفظ الشرح هنا: والحديث فيه دلالة على وجوب السجود على ما ذكر فيه، وقد ذهب إلى هذا العترة، وأحد قولي الشافعي: انتهى. وعرفت أنه وهم في قوله: إن