واخر معه في بعض أسفاره (ص)، وقد فقدوا الماء، فقال: اذهبا فابتغيا الماء. فانطلقا، فتلقيا امرأة بين مزادتين أو سطيحتين من ماء على بعير لها. فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة، قالا: انطلقي إلى رسول الله (ص) إلى أن قال: ودعا النبي (ص) بإناء، ففرغ فيه من أفواه المزادتين أو السطيحتين، ونودي في الناس اسقوا، واستسقوا، فسقى من سقى، واستقى من شاء الحديث، وفيه زيادة ومعجزات نبوية. والمراد أنه (ص) توضأ من مزادة المشركة، وهو دليل لما سلف في شرح حديث أبي ثعلبة من طهارة انية المشركين، ويدل أيضا على طهور جلد الميت بالدباغ، لان المزادتين من جلود ذبائح المشركين وذبائحهم ميتة، ويدل على طهارة رطوبة المشرك، فإن المرأة المشركة قد باشرت الماء وهو دون القلتين، فإنهم صرحوا بأنه لا يحمل الجمل قدر القلتين. ومن يقول: إن رطوبتهم نجسة، ويقول: لا ينجس الماء إلا ما غيره، فالحديث يدل على ذلك.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن قدح النبي (ص) انكسر، فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة. أخرجه البخاري. (وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن قدح النبي (ص) انكسر، فاتخذ مكان الشعب) بفتح الشين المعجمة وسكون المهملة لفظ مشترك بين معان. والمراد منها هنا:
الصدع والشق (سلسلة من فضة) في القاموس سلسلة بفتح أوله وسكون اللام وفتح السين الثانية منها: إيصال الشئ بالشئ، أو سلسلة بكسر أوله: دائر من حديد ونحوه، والظاهر أن المراد الأول، فيقرأ بفتح أوله (أخرجه البخاري). وهو دليل على جواز تضبيب الاناء بالفضة، ولا خلاف في جوازه كما سلف. إلا أنه هنا قد اختلف في واضع السلسلة، فحكى البيهقي عن بعضهم: أن الذي جعل السلسلة هو أنس بن مالك، وجزم به ابن الصلاح، وقال أيضا: فيه نظر، لان في البخاري من حديث عاصم الأحول: رأيت قدح النبي (ص) عند أنس بن مالك، فكان قد انصدع، فسلسله بفضة. وقال ابن سيرين: إنه كان فيه حلقة من حديد، فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة، فقال له أبو طلحة: لا تغيرن شيئا صنعه رسول الله (ص)، فتركه هذا لفظ البخاري. وهو يحتمل أن يكون الضمير في قوله فسلسله بفضة عائد إلى رسول الله (ص)، ويحتمل أن يكون عائدا إلى أنس كما قال البيهقي، إلا أن اخر الحديث يدل للأول، وأن القدح لم يتغير عما كان عليه على عهد رسول الله (ص). قلت: والسلسلة غير الحلقة التي أراد أنس تغييرها، فالظاهر: أن قوله فسلسله هو النبي (ص)، وهو حجة لما ذكره.
باب إزالة النجاسة وبيانها.
أي بيان النجاسة ومطهراتها عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سئل رسول الله (ص) عن الخمر) أي بعد تحريمها (تتخذ خلا. فقال: لا. أخرجه مسلم والترمذي وقال: حسن صحيح) فسر الاتخاذ: بالعلاج لها، وقد صارت خمرا، ومثله حديث أبي طلحة، فإنها لما حرمت الخمر سأل أبو طلحة النبي (ص) عن خمر عنده لأيتام: هل يخللها؟ فأمره بإراقتها. أخرجه