الحفاظ بأن المسح متواتر، وقال به أبو حنيفة، والشافعي، وغيرهما مستدلين بما سمعت. وروى عن الهادوية والامامية والخوارج: القول بعدم جوازه، واستدلوا بقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون) * ، قالوا: فعينت الآية مباشرة الرجلين بالماء، واستدلوا أيضا: بما سلف في باب الوضوء من أحاديث التعليم، وكلها عينت غسل الرجلين. قالوا: والأحاديث التي ذكرتم في المسح منسوخة باية المائدة، والدليل على النسخ قول علي عليه السلام: سبق الكتاب الخفين. وقول ابن عباس:
ما مسح رسول الله (ص) بعد المائدة. وأجيب: أولا: بأن اية الوضوء نزلت في غزوة المريسيع، ومسحه (ص) في غزوة تبوك، كما عرفت، فكيف ينسخ المتقدم المتأخر.
وثانيا: بأنه لو سلم تأخر اية المائدة، فلا منافاة بين المسح والآية، لان قوله تعالى: وأرجلكم.
مطلق، وقيدته أحاديث المسح على الخف، أو عام وخصصته تلك الأحاديث. وأما ما روي عن علي عليه السلام، فهو حديث منقطع، وكذا ما روي عن ابن عباس، مع أنه يخالف ما ثبت عنهما من القول بالمسح. وقد عارض حديثهما ما هو أصح منهما، وهو حديث جرير البجلي، فإنه لما روى: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه، قيل له: هل كان ذلك قبل المائدة أو بعدها؟ قال: وهل أسلمت إلا بعد المائدة؟ وهو حديث صحيح. وأما أحاديث التعليم، فليس فيها ما ينافي جواز المسح على الخفين: فإنها كلها فيمن ليس عليه خفان.
فأي دلالة على نفي ذلك، على أنه قد يقال: قد ثبت في اية المائدة القراءة بالجر لأرجلكم عطفا على الممسوح وهو الرأس، فيحمل على مسح الخفين، كما بينته السنة، ويتم ثبوت المسح بالسنة والكتاب، وهو أحسن الوجوه التي توجه به قراءة الجر. إذا عرفت هذا فللمسح عند القائلين به شرطان: الأول: ما أشار إليه الحديث، وهو لبس الخفين مع كمال طهارة القدمين، وذلك بأن يلبسهما وهو على طهارة تامة، بأن يتوضأ حتى يكمل وضوءه ثم يلبسهما، فإذا أحدث بعد ذلك حدثا أصغر، جاز المسح عليهما، بناء على أنه أريد بطاهرتين الطهارة الكاملة، وقد قيل: بل يحتمل أنهما طاهرتان عن النجاسة، يروى عن داود، ويأتي من الأحاديث ما يقوي القول الأول.
والثاني مستفاد من مسمى الخف، فإن المراد به الكامل، لأنه المتبادر عند الاطلاق، وذلك بأن يكون ساترا قويا مانعا نفوذ الماء غير مخرق، فلا يمسح على ما لا يستر العقبين، ولا على مخرق يبدو منه محل الفرض، ولا على منسوج، إذ لا يمنع نفوذ الماء، ولا مغصوب لوجوب نزعه. هذا وحديث المغيرة لم يبين كيفية المسح، ولا كميته، ولا محله، ولكن الذي أفاده قول المصنف.
وللأربعة عنه إلا النسائي: أن النبي (ص) مسح أعلى الخف وأسفله. وفي إسناده ضعف. بين أن محل المسح أعلى الخف وأسفله، ويأتي من ذهب إليه، ولكنه قد أشار إلى ضعفه، وبين وجه ضعفه في التلخيص، وأن أئمة الحديث ضعفوه بكاتب المغيرة هذا. وكذلك بين محل المسح وعارض حديث المغيرة هذا.
وعن علي رضي الله عنه أنه قال: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله (ص) يمسح على ظاهر خفيه، أخرجه أبو داود بإسناد حسن. قوله: (وعن علي عليه السلام، أنه قال: - لو كان الدين بالرأي) أي بالقياس وملاحظة المعاني (لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه) أي ما تحت القدمين أولى بالمسح من الذي هو على أعلاهما، لأنه الذي يباشر المشي، ويقع على ما ينبغي إزالته،