للبخاري: أنه (ص) مد يده عن يمينه ويساره، (وفي الآخر) وهو الذي لا تحل فيه الصلاة ولا يحرم فيه الطعام: أي وقال في الاخر: (إنه) في صفته (كذنب السرحان) بكسر السين المهملة وسكون الراء فحاء مهملة وهو الذئب: والمراد أنه لا يذهب مستطيلا ممتدا، بل يرتفع في السماء كالعمود، وبينهما ساعة، فإنه يظهر الأول، وبعد ظهوره يظهر الثاني ظهورا بينا. فهذا فيه بيان وقت الفجر: وهو أول وقته، وآخره ما يتسع لركعة، كما عرفت.
ولما كان لكل وقت أول واخر، بين (ص) الأفضل منهما في الحديث الآتي وهو:
(وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله (ص): أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها رواه الترمذي، والحاكم، وصححاه، وأصله في الصحيحين).
أخرجه البخاري عن ابن مسعود بلفظ: سألت النبي (ص) أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة لوقتها وليس فيه لفظ أول. فالحديث دل على أفضلية الصلاة في أول وقتها، على كل عمل من الأعمال، كما هو ظاهر التعريف للأعمال باللام. وقد عورض بحديث: أفضل الأعمال إيمان بالله، ولا يخفى أنه معلوم: أن المراد من الأعمال في حديث ابن مسعود: ما عدا الايمان، فإنه إنما سأل عن أفضل أعمال أهل الايمان. فمراده: غير الايمان، قال ابن دقيق العيد: الأعمال هنا. أي في حديث ابن مسعود محمولة على البدنية، فلا تتناول أعمال القلوب، فلا تعارض حديث أبي هريرة: أفضل الأعمال: الايمان بالله عز وجل. ولكنها قد وردت أحاديث أخر في أنواع من أعمال البر، بأنها أفضل الأعمال، فهي التي تعارض حديث الباب ظاهرا. وقد أجيب: بأنه (ص) أخبر كل مخاطب بما هو أليق به، وهو به أقوم، وإليه أرغب، ونفعه فيه أكثر. فالشجاع أفضل الأعمال في حقه: الجهاد، فإنه أفضل من تخليه للعبادة. والغني أفضل الأعمال في حقه: الصدقة، وغير ذلك، أو أن كلمة من مقدرة، والمراد من أفضل الأعمال، أو كلمة أفضل لم يرد بها الزيادة، بل الفضل المطلق. وعورض تفضيل الصلاة في أول وقتها، على ما كان منها في غيره بحديث العشاء، فإنه قال (ص): لولا أن أشق على أمتي لاخرتها يعني: إلى النصف، أو قريب منه. وبحديث الاصباح، أو الاسفار بالفجر، وبأحاديث الابراد بالظهر. والجواب: أن ذلك تخصيص لعموم أول الوقت، ولا معارضة بين عام وخاص. وأما القول: بأن ذكر أول وقتها تفرد به علي بن حفص من بين أصحاب شعبة، وأنهم كلهم رووه بلفظ: على وقتها من دون ذكر أول. فقد أجيب عنه من حيث الرواية: بأن تفرده لا يضر، فإنه شيخ صدوق من رجال مسلم، ثم قد صحح هذه الرواية الترمذي، والحاكم، وأخرجها ابن خزيمة في صحيحه، ومن حيث الدراية أن رواية لفظ: على وقتها تفيد: معنى لفظ: أول، لان كلمة على تقتضي الاستعلاء على جميع الوقت، ورواية: لوقتها باللام تفيد ذلك، لان المراد استقبال وقتها، ومعلوم ضرورة شرعية: أنها لا تصح قبل دخوله، فتعين أن المراد لاستقبالكم الأكثر من وقتها، وذلك بالاتيان بها أول وقتها، ولقوله تعالى: * (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات) *، ولأنه (ص) كان دأبه دائما الاتيان بالصلاة في أول وقتها، ولا يفعل إلا الأفضل.
إلا لما ذكرناه كالأسفار، ونحوه كالعشاء. ولحديث علي عند أبي داود: ثلاث لا تؤخر، ثم