النبوة وقوله: لا تقوم الساعة قد يؤخذ منه أنه من أشراطها والتباهي، إما بالقول كما عرفت، أو بالفعل كأن يبالغ كل واحد في تزيين مسجده ورفع بنائه وغير ذلك. وفيه دلالة مفهمة بكراهة ذلك، وأنه من أشراط الساعة، وأن الله لا يحب تشييد المساجد ولا عمارتها إلا بالطاعة.
(وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ص):
ما أمرت بتشييد المساجد أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان) وتمام الحديث قال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفتها اليهود والنصارى. وهذا مدرج من كلام ابن عباس، كأنه فهمه من الاخبار النبوية من أن هذه الأمة تحذو حذو بني إسرائيل. والتشييد رفع البناء وتزيينه بالشيد، وهو الجص كذا في الشرح. والذي في القاموس: شاد الحائط يشيده طلاه بالشيد وهو ما يطلى به الحائط من جص ونحوه وانتهى. فلم يجعل رفع البناء من مسماه.
والحديث ظاهر في الكراهة أو التحريم لقوله ابن عباس كما زخرفت اليهود والنصارى فإن التشبه بهم محرم، وذلك أنه ليس المقصود من بناء المساجد إلا أن تكن الناس من الحر والبرد وتزيينها يشغل القلوب عن الخشوع الذي هو روح جسم العبادة. والقول بأنه يجوز تزيين المحراب باطل. قال المهدي في البحر: إن تزيين الحرمين لم يكن برأي ذي حل وعقد ولا سكوت رضا أي من العلماء، وإنما فعله أهل الدول الجبابرة من غير مؤاذنة لاحد من أهل الفضل وسكت المسلمون والعلماء من غير رضا، وهو كلام حسن وفي قوله (ص):
ما أمرت، إشعار بأنه لا يحسن ذلك فإنه لو كان حسنا لامره الله به (ص).
وأخرج البخاري، من حديث ابن عمر: أن مسجده (ص) كان على عهده (ص) مبنيا باللبن وسقفه الجريد وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئا، وزاد فيه عمر وبناه على بنائه في عهد رسول الله (ص) باللبن والجريد وأعاد عمده خشبا، ثم غيره عثمان فزاد فيه زيادة كبيرة وبنى جدرانه بالأحجار المنقوشة والجص وجعل عمدة من حجارة منقوشة وسقفه بالساج. قال ابن بطال: وهذا يدل على أن السنة في بنيان المساجد القصد وترك الغلو في تحسينها، فقد كان عمر مع كثرة الفتوحات في أيامه وكثرة المال عنده لم يغير المسجد عما كان عليه، وإنما احتاج إلى تجديده لان جريد النخل كان قد نخر في أيامه، ثم عند عمارته: أكن الناس من المطر وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس، ثم كان عثمان والمال في زمنه أكثر فحسنه بما لا يقتضي الزخرفة، ومع ذلك أنكر بعض الصحابة عليه، وأول من زخرف المساجد الوليد بن عبد الملك، وذلك في أواخر عصر الصحابة وسكت كثير من أهل العلم عن إنكار ذلك خوفا من الفتنة (وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): عرضت على أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد رواه أبو داود والترمذي واستغربه وصححه ابن خزيمة) القذاة بزنة حصاة هي مستعملة في كل شئ يقع في البيت وغيره إذا كان يسيرا، وهذا إجبار بأن ما يخرجه الرجل من المسجد وإن قل وحقر مأجور