كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العض المين) أي: القراءة في الصلاة بهذا اللفظ (متفق عليه). ولا يتم هنا أن يقال: ما قلناه في حديث عائشة: أن المراد بالحمد لله رب العالمين السورة، فلا يدل على حذف البسملة، بل يكون دليلا عليها، إذ هي من مسمى السورة لقوله: (زاد مسلم:
لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، في أول قراءة، ولا في اخرها) زيادة في المبالغة في النفي، وإلا فإنه ليس في اخرها بسملة، ويحتمل أن يريد بآخرها: السورة الثانية التي تقرأ بعد الفاتحة.
والحديث دليل: على أن الثلاثة كانوا لا يسمعون من خلفهم لفظ البسملة عند قراءة الفاتحة جهرا، مع احتمال أنهم يقرءون البسملة سرا، ولا يقرأونها أصلا، إلا أن قوله: (وفي رواية) أي عن أنس (لأحمد، والنسائي، وابن خزيمة لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم) يدل بمفهومه أنهم يقرأونها سرا، ودل قوله: (وفي أخرى) أي رواية أخرى عن أنس (لابن خزيمة: كانوا يسرون) فمنطوقه أنهم كانوا يقرءون بها سرا، ولذا قال المصنف: (وعلى هذا) أي على قراءة النبي (ص)، وأبي بكر، وعمر البسملة سرا (يحمل النفي في رواية مسلم) حيث قال: لا يذكرون: أي: لا يذكرونها جهرا (خلافا لمن أعلها) أي أبدى علة لما زاده مسلم، والعلة هي: أن الأوزاعي روى هذه الزيادة عن قتادة مكاتبة، وقد ردت هذه العلة: بأن الأوزاعي لم ينفرد بها، بل قد رواها غيره رواية صحيحة. والحديث قد استدل به من يقول: إن البسملة لا يجهر بها في الفاتحة، ولا في غيرها، بناء على أن قوله: وفي اخرها مراد به أول السورة الثانية، ومن أثبتها قال: المراد: أنه لم يجهر بها الثلاثة حال جهرهم بالفاتحة، بل يقرأونها سرا، كما قرره المصنف. وقد أطال العلماء في هذه المسألة الكلام، وألف فيها بعض الاعلام، وبين أن حديث أنس مضطرب. قال ابن عبد البر في الاستذكار: بعد سرده روايات حديث أنس هذه ما لفظه: هذا الاضطراب لا تقوم معه حجة لاحد من الفقهاء الذين يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم، والذين لا يقرؤونها. وقد سئل عن ذلك أنس فقال: كبرت سني ونسيت انتهى، فلا حجة فيه. والأصل: أن البسملة من القران. وطال الجدال بين العلماء من الطوائف، لاختلاف المذاهب، والأقرب أنه (ص) كان يقرأ بها تارة جهرا وتارة خفيا وقد استوفينا البحث في حواشي شرح العمدة بما لا زيادة عليه. واختار جماعة من المحققين: أنها مثل سائر آيات القران، يجهر بها فيما يجهر فيه، ويسر بها فيما يسر فيه. وأما الاستدلال بكونه (ص) لم يقرأ بها في الفاتحة، ولا في غيرها في صلاته، على أنها ليست باية، والقراءة بها تدل على أنها اية، فلا ينهض، لان ترك القراءة بها في الصلاة لو ثبت لا يدل على نفي قرآنيتها، فإنه ليس الدليل على القرآنية الجهر بالقراءة بالآية في الصلاة، بل الدليل أعم من ذلك، وإذا انتفى الدليل الخاص، لم ينتف الدليل العام.
(وعن نعيم) بضم النون وفتح العين المهملة مصغر (المجمر) بضم الميم وسكون الجيم وكسر الميم وبالراء، ويقال: وتشديد الميم الثانية، ذكره الحلبي في شرح العمدة، هو أبو عبد الله مولى عمر بن الخطاب، سمع من أبي هريرة، وغيره، وسمى مجمرا، لأنه أمر أن يجمر مسجد المدينة كل جمعة حين ينتصف النهار (قال: صليت وراء أبي هريرة، فقرأ بسم الله