وأجيب: بأن كلام أبي داود ينقضه ما رواه هو وصححه ابن خزيمة كما ذكرناه. والقول: بأن المسح مبني على التخفيف قياس في مقابلة النص فلا يسمع. فالقول: بأنه يصير في صورة الغسل لا يبالي به بعد ثبوته عن الشارع، ثم رواية الترك لا تعارض رواية الفعل، وإن كثرت رواية الترك، إذ الكلام في أنه غير واجب، بل سنة من شأنها أن تفعل أحيانا وتترك أحيانا. (وأخرجه) أي حديث علي عليه السلام (النسائي والترمذي بإسناد صحيح بل قال الترمذي: إنه أصح شئ في الباب) وأخرجه أبو داود من ست طرق وفي بعض طرقه لم يذكر المضمضة والاستنشاق وفي بعض: ومسح على رأسه حتى لم يقطر.
(وعن عبد الله بن زيد بن عاصم) هو الأنصاري المازني من مازن بن النجار.
شهد أحدا، وهو الذي قتل مسيلمة الكذاب، وشاركه وحشي، وقتل عبد الله يوم الحرة سنة ثلاث وستين. وهو غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه الذي يأتي حديثه في الأذان، وقد غلط فيه بعض أئمة الحديث فلذا نبهنا عليه (في صفة الوضوء قال: ومسح رسول الله (ص) برأسه، فأقبل بيديه وأدبر، متفق عليه) فسر الاقبال بهما بأنه بدأ من مؤخر رأسه، فإن الاقبال باليد إذا كان مقدما يكون من مؤخر الرأس، إلا أنه قد ورد في البخاري بلفظ: وأدبر بيديه وأقبل واللفظ الآخر في قوله: (وفي لفظ لهما) أي للشيخين (بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما) أي اليدين (إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه). الحديث يفيد صفة المسح للرأس، وهو أن يأخذ الماء ليديه فيقبل بهما ويدبر.
وللعلماء ثلاثة أقوال: الأول: يبدأ بمقدم رأسه الذي يلي الوجه فيذهب إلى القفا، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، وهو مبتدأ الشعر من حد الوجه، وهذا هو الذي يعطيه ظاهر قوله:
بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه. إلا أنه أورد على هذه الصفة: أنه أدبر بهما وأقبل، لان ذهابه إلى جهة القفا إدبار، ورجوعه إلى الوجه إقبال. وأجيب: بأن الواو لا تقتضي الترتيب فالتقدير: أدبر وأقبل. والثاني: أن يبدأ بمؤخر رأسه ويمر إلى جهة الوجه، ثم يرجع إلى المؤخر محافظة على ظاهر لفظ: أقبل وأدبر، فالاقبال إلى مقدم الوجه، والادبار إلى ناحية المؤخر، وقد وردت هذه الصفة في الحديث الصحيح:
بدأ بمؤخر رأسه. ويحمل الاختلاف في لفظ الأحاديث على والثالث: أن يبدأ بالناصية ويذهب إلى ناحية الوجه، ثم يذهب تعدد الحالات إلى جهة مؤخر الرأس، ثم يعود إلى ما بدأ منه وهو الناصية. ولعل قائل هذا قصد المحافظة على قوله بدأ بمقدم رأسه مع المحافظة على ظاهر لفظ أقبل وأدبر، لأنه إذا بدأ بالناصية صدق أنه بدأ بمقدم رأسه، وصدق أنه أقبل أيضا، فإنه ذهب إلى ناحية الوجه وهو القبل، وقد أخرج أبو داود من حديث المقدام: أنه (ص) لما بلغ مسح رأسه وضع كفيه على مقدم رأسه، فأمرهما حتى بلغ القفا ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه وهي عبارة واضحة في المراد. والظاهر أن هذا من العمل المخير فيه، وأن المقصود من ذلك تعميم الرأس بالمسح.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما - في صفة الوضوء - قال: ثم مسح برأسه، وأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه ظاهر أذنيه. أخرجه أبو داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة. (وعن عبد الله بن عمرو) بفتح العين المهملة، وهو أبو عبد الرحمن، أو أبو محمد،