قام على دخول المرافق. قال الزمخشري: لفظ إلى يفيد معنى الغاية مطلقا، فأما دخولها في الحكم وخروجها فأمر يدور مع الدليل، ثم ذكر أمثلة لذلك، وقد عرفت أنه قد قام ها هنا الدليل على دخولها (ثلاث مرات ثم اليسرى مثل ذلك) أي إلى المرافق ثلاث مرات.
(ثم مسح برأسه) هو موافق للآية في الاتيان بالباء، ومسح يتعدى بها وبنفسه. قال القرطبي: إن الباء هنا للتعدية يجوز حذفها وإثباتها، وقيل: دخلت الباء ها هنا لمعنى تفيده وهو: أن الغسل لغة يقتضي مغسولا به، والمسح لغة لا يقتضي ممسوحا به، فلو قال: امسحوا رؤوسكم - لأجزأ المسح باليد بغير ماء، وكأنه قال فامسحوا برؤوسكم الماء، وهو من باب القلب، والأصل فيه: فامسحوا بالماء رؤوسكم. ثم اختلف العلماء: هل يجب مسح الرأس أو بعضه؟
قالوا: والآية لا تقتضي أحد الامرين بعينه إذ قوله: * (وامسحوا برءوسكم) * يحتمل جميع الرأس أو بعضه، ولا دلالة في الآية عل استيعابه، ولا عدم استيعابه، لكن من قال: يجزئ مسح بعضه، قال:
إن السنة وردت مبينة لاحد احتمالي الآية، وهو ما رواه الشافعي من حديث عطاء: أن رسول الله (ص) توضأ، فحسر العمامة عن رأسه، ومسح مقدم رأسه وهو وإن كان مرسلا، فقد اعتضد بمجيئه مرفوعا من حديث أنس، وهو وإن كان في سنده مجهول فقد عضد بما أخرجه سعيد بن منصور من حديث عثمان في صفة الوضوء: أنه مسح مقدم رأسه، وفيه راو مختلف فيه. وثبت عن ابن عمر: الاكتفاء بمسح بعض الرأس قاله ابن المنذر وغيره، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة. ومن العلماء من يقول: لا بد من مسح البعض مع التكميل على العمامة، لحديث المغيرة، وجابر بن مسلم. ولم يذكر في هذه الرواية تكرار مسح الرأس كما ذكره في غيرها، وإن كان قد طوى ذكر التكرار أيضا في المضمضة كما عرفت، وعدم الذكر لا دليل فيه، ويأتي الكلام في ذلك. (ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات) الكلام في ذلك كما تقدم في يده اليمنى إلى المرفق. إلا أن المرافق قد اتفق على مسماها، بخلاف الكعبين، فوقع في المراد بهما خلاف. المشهور: أنه العظم الناشز عند ملتقى الساق، وهو قول الأكثر، وحكى عن أبي حنيفة والامامية أنه العظم الذي في ظهر القدم عند معقد الشراك: وفي المسألة مناظرات ومقاولات طويلة. قال في الشرح: ومن أوضح الأدلة أي على ما قاله الجمهور:
حديث النعمان بن بشير في صفة الصف في الصلاة: فرأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه. قلت: - ولا يخفى أنه لا ينهض فيه، لان المخالف يقول: أنا أسميه كعبا ولا أخالفكم فيه، لكني أقول: إنه غير المراد في اية الوضوء، إذ الكعب يطلق على الناشز، وعلى ما في ظهر القدم، وغاية ما في حديث النعمان: أنه سمي الناشز كعبا، ولا خلاف في تسميته، وقد أيدنا في حواشي ضوء النهار أرجحية مذهب الجمهور بأدلة هنالك (ثم اليسرى مثل ذلك:) أي الكعبين ثلاث مرات (ثم قال) أي عثمان: (رأيت رسول الله (ص) توضأ نحو وضوئي هذا) متفق عليه. وتمام الحديث فقال - أي رسول (ص):
من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه: أي لا يحدث نفسه فيهما بأمور الدنيا، وما لا تعلق له بالصلاة، ولو عرض له حديث،