وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: إن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين، من أثر الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل متفق عليه، واللفظ لمسلم. (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (ص) يقول : إن أمتي يأتون يوم القيامة غرا) بضم الغين المعجمة وتشديد الراء جمع أغر أي ذي غرة، وأصلها: لمعة بيضاء تكون في جبهة الفرس. وفي النهاية: يريد: بياض وجوههم بنور الوضوء يوم القيامة، ونصبه على أنه حال من فاعل يأتون، وعلى رواية يدعون يحتمل المفعولية (محجلين) بالمهملة والجيم من التحجيل. في النهاية: أي: بيض مواضع الوضوء من الأيدي والاقدام. استعار أثر الوضوء في الوجه واليدين والرجلين للانسان من البياض الذي يكون في وجه الفرس ويديه ورجليه (من أثر الوضوء) بفتح الواو، لأنه الماء، ويجوز الضم عند البعض كما تقدم (فمن استطاع منكم أن يطيل غرته) أي: وتحجيله، وإنما اقتصر على أحدهما لدلالته على الاخر، وأثر الغرة - وهي مؤنثة - على التحجيل - وهو مذكر - لشرف موضعها، وفي رواية لمسلم فليطل غرته وتحجيله (فليفعل، متفق عليه، واللفظ لمسلم). وظاهر السياق: أن قوله: فمن استطاع إلى اخره من الحديث، وهو يدل على عدم الوجوب، إذ هو في قوة من شاء منكم، فلو كان واجبا ما قيده بها، إذ الاستطاعة لذلك متحققة قطعا، وقال نعيم أحد رواته:
لا أدري قوله: فمن استطاع إلخ من قول النبي (ص)، أو من قول أبي هريرة؟
وفي الفتح: لم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة، وهم عشرة، ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم هذه. والحديث دليل على مشروعية إطالة الغرة، والتحجيل. واختلف العلماء في القدر المستحب من ذلك. فقيل: في اليدين إلى المنكب، وفي الرجلين إلى الركبة. وقد ثبت هذا عن أبي هريرة رواية ورأيا، وثبت من فعل ابن عمر، أخرجه ابن أبي شيبة، وأبو عبيد بإسناد حسن. وقيل: إلى نصف العضد والساق. والغرة في الوجه: أن يغسل إلى صفحتي العنق. والقول بعدم مشروعيتهما، وتأويل حديث أبي هريرة بأن المراد به المداومة على الوضوء خلاف الظاهر، ورد بأن الراوي أعرف بما روى. كيف؟ وقد رفع معناه، ولا وجه لنفيه. وقد استدل على أن الوضوء من خصائص هذه الأمة بهذا الحديث، وبحديث مسلم مرفوعا: سيما ليست لاحد غيركم والسيماء: بكسر السين المهملة العلامة. ورد هذا: بأنه قد ثبت الوضوء لمن قبل هذه الأمة. قيل: فالذي اختصت به هذه الأمة هو الغرة والتحجيل.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي (ص) يعجبه التيمن في تنعله، وترجله، وظهوره، وفي شأنه كله. متفق عليه. (وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي (ص) يعجبه التيمن) أي تقديم الأيمن (في تنعله) لبس نعله (وترجله) بالجيم، أي مشط شعره (وطهوره، وفي شأنه كله) تعميم بعد التخصيص (متفق عليه). قال ابن دقيق العيد:
هو عام مخصوص يعني قوله: كله: بدخول الخلاء، والخروج من المسجد، ونحوهما، فإنه يبدأ فيهما باليسار. قيل: والتأكيد بكله يدل على بقاء التعميم، ودفع التجوز عن البعض، فيحتمل أن يقال:
حقيقة الشأن ما كان فعلا مقصودا، وما يستحب فيه التياسر ليس من الأفعال المقصودة، بل هي إما تروك، وإما غير مقصودة. والحديث دليل على استحباب البداءة بشق الرأس الأيمن