والحنفية: رواية البخاري التي أفادها قوله: (وفي رواية للبخاري) أي من حديث ابن مسعود (فليتم ثم يسلم ثم يسجد) ما يدل على أنه بعد السلام. وكذلك رواية مسلم التي أفادها قوله (ولمسلم) أي من حديث ابن مسعود: (أن النبي (ص) سجد سجدتي السهو بعد السلام) من الصلاة (والكلام) أي الذي خوطب به وأجاب عنه بما أفاده اللفظ الأول، ويدل له أيضا:
(ولا حمد وأبي داود والنسائي من حديث عبد الله بن جعفر مرفوعا: من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم وصححه ابن خزيمة). فهذه أدلة من يقول إنه يسجد بعد السلام مطلقا، ولكنه قد عارضها ما عرفت، فالقول بالتخيير أقرب الطرق إلى الجمع بين الأحاديث، كما عرفت. قال الحافظ أبو بكر البيهقي: روينا عن النبي (ص) أنه سجد للسهو قبل السلام، وأنه أمر بذلك، وروينا: أنه سجد بعد السلام، وأنه أمر به وكلاهما صحيح، ولهما شواهد يطول بذكرها الكلام، ثم قال: الأشبه بالصواب جواز الامرين جميعا، قال: وهذا مذهب كثير من أصحابنا.
(وعن المغيرة بن شعبة: أن رسول الله (ص) قال: إذا شك أحدكم، فقام في الركعتين فاستتم قائما، فليمض ولا يعود) للتشهد الأول (وليسجد سجدتين) لم يذكر محلهما (فإن لم يستتم قائما فليجلس) ليأتي بالتشهد الأول (ولا سهو عليه . رواه أبو داود وابن ماجة، والدارقطني واللفظ له بسند ضعيف) وذلك أن مداره في جميع طرقه على جابر الجعفي، وهو ضعيف. وقد قال أبو داود: ليس في كتابي عن جابر الجعفي غير هذا الحديث. وفي الحديث دلالة: على أنه لا يسجد للسهو إلا لفوات التشهد الأول، لا لفعل القيام لقوله: ولا سهو عليه وقد ذهب إلى هذا جماعة. وذهبت الهادوية، وابن حنبل إلى أنه يسجد للسهو، لما أخرجه البيهقي من حديث أنس: أنه تحرك للقيام من الركعتين الأخريين من العصر على جهة السهو، فسبحوا فقعد، ثم سجد للسهو وأخرجه الدارقطني، والكل من فعل أنس موقوف عليه، إلا أن في بعض طرقه أنه قال: هذه السنة وقد رجح حديث المغيرة عليه، لكونه مرفوعا، ولأنه يؤيده حديث ابن عمر مرفوعا: لا سهو إلا في قيام عن جلوس، أو جلوس عن قيام أخرجه الدارقطني، والحاكم، والبيهقي، وفيه ضعف، ولكن يؤيد ذلك: أنها وردت أحاديث كثيرة في الفعل القليل، وأفعال صدرت منه (ص)، ومن غيره مع علمه بذلك، ولم يأمر فيها بسجود السهو، ولا سجد لما صدر عنه منها. قلت:
وأخرج النسائي من حديث ابن بحينة: أنه (ص) صلى فقام في الركعتين، فسبحوا به، فمضى، فلما فرغ من صلاته، سجد سجدتين، ثم سلم وأخرج أحمد، والترمذي، وصححه من حديث زياد بن علاقة قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة، فلما صلى ركعتين، قام ولم يجلس، فسبح له من خلفه، فأشار إليهم أن قوموا، فلما فرغ من صلاته سلم، ثم سجد سجدتين وسلم، ثم قال هكذا صنع بنا رسول الله (ص)، إلا أن هذه فيمن مضى بعد أن يسبحوا له، فيحتمل أنه سجد لترك التشهد، وهو الظاهر.
(وعن عمر رضي الله عنه عن النبي (ص) قال: ليس على من خلف الامام سهو، فإن سها الامام فعليه وعلى من خلفه. رواه الترمذي، والبيهقي