البخاري عنه: لا أدري أنهي عنها من أجل أنها كانت حمولة الناس، أو حرمت؟ ولا يخفى ضعف هذا القول، لان الأصل في النهي التحريم وإن جهلنا علته، واستدل ابن عباس بعموم قوله تعالى: * (قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم) * الآية، فإنه تلاها جوابا لمن سأله عن تحريمها، ولحديث أبي داود: أنه جاء إلى رسول الله (ص) غالب بن أبجر فقال: يا رسول الله (ص) أصابتنا سنة، ولم يكن في مالي ما أطعم أهلي إلا سمان حمر، وإنك حرمت لحوم الحمر الأهلية، فقال: أطعم أهلك من سمين حمرك، فإنما حرمتها من أجل جوال القرية يريد التي تأكل الجلة وهي العذرة. وأجيب: بأن الآية خصت عمومها الأحاديث الصحيحة المتقدمة، وبأن حديث أبي داود مضطرب مختلف فيه اختلافا كثيرا، وإن صح حمل على الأكل منها عند الضرورة، كما دل عليه قوله: أصابتنا سنة، أي شدة وحاجة. وذكر المصنف لهذين الحديثين في باب النجاسات وتعدادها مبني على أن التحريم من لازمه التنجيس، وهو قول الأكثر، وفيه خلاف.
والحق: أن الأصل في الأعيان الطهارة، وأن التحريم لا يلزم النجاسة، فإن الحشيشة محرمة طاهرة، وكذا المخدرات والسموم القاتلة لا دليل على نجاستها. وأما النجاسة فيلازمها التحريم، فكل نجس محرم ولا عكس، وذلك لان الحكم في النجاسة هو المنع عن ملابستها على كل حال، فالحكم بنجاسة العين حكم بتحريمها، بخلاف الحكم بالتحريم، فإنه يحرم لبس الحرير والذهب، وهما طاهران ضرورة شرعية وإجماعا. فإذا عرفت هذا فتحريم الحمر والخمر الذي دلت عليه النصوص لا يلزم منه نجاستهما، بل لا بد من دليل اخر عليه، وإلا بقيتا على الأصل المتفق عليه من الطهارة. فمن ادعى خلافه فالدليل عليه، ولذا نقول: لا حاجة إلى إتيان المصنف بحديث عمرو بن خارجة الآتي قريبا مستدلا به على طهارة لعاب الراحلة. وأما الميتة فلولا أنه ورد: دباغ الأديم طهوره وأيما إهاب دبغ فقد طهر لقلنا بطهارتها، إذ الوارد في القران تحريم أكلها، لكن حكمنا بالنجاسة لما قام عليها دليل غير دليل تحريمها.
وعن عمرو بن خارجة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله (ص) بمنى، وهو على راحلته، ولعابها يسيل على كتفي. أخرجه أحمد والترمذي وصححه. (وعن عمرو بن خارجة) هو صحابي أنصاري عداده في أهل الشام، وكان حليفا لأبي سفيان بن حرب، وهو الذي روى عنه عبد الرحمن بن غنم: أنه سمع رسول الله (ص) يقول في خطبته: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث (قال: خطبنا رسول الله (ص) بمنى وهو على راحلته) بالحاء المهملة وهي من الإبل الصالحة لان ترحل (ولعابها) بضم اللام وعين مهملة وبعد الألف موحدة، هو: ما سال من الفم (يسيل على كتفي. أخرجه أحمد، والترمذي وصححه). والحديث: دليل على أن لعاب ما يؤكل لحمه طاهر، قيل: وهو إجماع، وهو أيضا الأصل، فذكر الحديث بيان للأصل، ثم هذا مبني على أنه (ص) علم سيلان اللعاب عليه ليكون تقريرا.
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله (ص) يغسل المني، ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب، وأنا أنظر إلى أثر الغسل. متفق عليه. ولمسلم: لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله (ص) فركا، فيصلي فيه. وفي لفظ له: لقد كنت أحكه يابسا بظفري من ثوبه. (وعن عائشة رضي الله عنها) هي أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق. أمها أم رومان ابنة عامر. خطبها النبي (ص) بمكة، وتزوجها في شوال سنة عشرة من النبوة، وهي بنت ست سنين، وعرس بها أي دخل بها في المدينة في شوال سنة ثنتين من الهجرة وقيل: غير ذلك، وهي بنت تسع سنين من غير اعتبار الكسر ومات عنها ولها ثماني عشرة