صحيح، وفي سماعه منه خلاف. والحديث: دليل على عدم وجوب الغسل، وهو كما عرفت دليل الجمهور على ذلك، وعلى تأويل حديث الايجاب، إلا أن فيه سؤالا، وهو: أنه كيف يفضل الغسل - وهو سنة - على الوضوء - وهو فريضة - والفريضة أفضل إجماعا. والجواب: أنه ليس التفضيل على الوضوء نفسه، بل على الوضوء الذي لا غسل معه، كأنه قال: من توضأ، واغتسل، فهو أفضل ممن توضأ فقط. ودل لعدم الفرضية أيضا حديث مسلم: من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، فاستمع، وأنصت غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام. ولداود أن يقول: هو مقيد بحديث الايجاب. فالدليل الناهض حديث سمرة فلم يخرجه الشيخان، فالأحوط للمؤمن أن لا يترك غسل الجمعة. وفي الهدي النبوي: الامر بالغسل يوم الجمعة مؤكد جدا، ووجوبه أقوى من وجوب الوتر، وقراءة البسملة في الصلاة، ووجوب الوضوء من مس النساء، ووجوبه من مس الذكر، ووجوبه من القهقهة في الصلاة، ومن الرعاف، ومن الحجامة، والقئ.
(وعن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله (ص) يقرئنا القران ما لم يكن جنبا. رواه أحمد والخمسة). هكذا في نسخ بلوغ المرام. والأولى: والأربعة وقد وجد في بعضها. كذلك (وهذا لفظ الترمذي وحسنه، وصححه ابن حبان)، وذكر المصنف في التلخيص: أنه حكم بصحته الترمذي، وابن السكن، وعبد الحق، والبغوي، وروى ابن خزيمة بإسناده عن شعبة أنه قال: هذا الحديث ثلث رأس مالي، وما أحدث بحديث أحسن منه.
وأما قول النووي: خالف الترمذي الأكثرون فضعفوا هذا الحديث، فقد قال المصنف: إن تخصيصه للترمذي بأنه صححه: دليل على أنه لم ير تصحيحه لغيره، وقد قدمنا من صححه غير الترمذي، وروى الدارقطني عن علي موقوفا: اقرأوا القران ما لم تصب أحدكم جنابة، فإن أصابته فلا، ولا حرفا، وهذا يعضد حديث الباب. إلا أنه قال ابن خزيمة: لا حجة في الحديث لمن منع الجنب من القراءة، لأنه ليس فيه نهي، وإنما هي حكاية فعل، ولم يبين (ص) أنه إنما امتنع عن ذلك لأجل الجنابة. وروى البخاري عن ابن عباس: أنه لم ير بالقراءة للجنب بأسا، والقول به رواية: لم يكن يحجب النبي (ص) أو يحجزه عن القران شئ سوى الجنابة أخرجه أحمد، وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبزار والدارقطني والبيهقي:
أصرح في الدليل على تحريم القراءة على الجنب من حديث الباب: غير ظاهر، فإن الألفاظ كلها إخبار عن تركه (ص) القران حال الجنابة، ولا دليل في الترك على حكم معين.
وتقدم حديث عائشة: أنه (ص) كان يذكر الله على كل أحيانه، وقدمنا أنه مخصص بحديث علي عليه السلام هذا، ولكن الحق أنه لا ينهض على التحريم، بل يحتمل أنه ترك ذلك حال الجنابة للكراهة، أو نحوها، إلا أنه أخرج أبو يعلى من حديث علي عليه السلام قال: رأيت رسول الله (ص) توضأ، ثم قرأ شيئا من القران، ثم قال هكذا لمن ليس بجنب، فأما الجنب فلا، ولا اية. قال الهيثمي: رجاله موثقون، وهو يدل على التحريم، لأنه نهي، وأصله ذلك، ويعاضد ما سلف. وأما حديث ابن عباس مرفوعا: لو أن أحدكم إذا أتى أهله فقال: بسم الله الحديث، فلا دلالة فيه على جواز القراءة للجنب، لأنه يأتي بهذا اللفظ غير