وشهد معه حروبه كلها (أن رسول الله (ص) قال في الهرة). والحديث له سبب، وهو: أن أبا قتادة سكب له وضوءا فجاءت هرة تشرب منه، فأصغى لها الاناء حتى شربت، فقيل له في ذلك. فقال: قال رسول الله (ص): (إنها ليست بنجس) أي فلا ينجس ما لامسته إنما هي من الطوافين) جمع طواف (عليكم) قال ابن الأثير: الطائف الخادم الذي يخدمك برفق وعناية، والطواف فعال منه، شبهها بالخادم الذي يطوف على مولاه ويدور حوله أخذا من قوله تعالى: * (طوافون عليكم) * وفي رواية مالك وأحمد وابن حبان والحاكم وغيرهم. زيادة لفظ: والطوافات جمع الأول مذكرا سالما نظرا إلى ذكور الهر. والثاني مؤنثا سالما نظرا إلى إناثها. فإن قلت: قد فات في جمع المذكر السالم شرط كونه يعقل وهو شرط لجمعه علما وصفة. قلت: لما نزل منزلة من يعقل بوصفه بصفته وهو الخادم أجراه مجراه في جمعه صفة. وفي التعليل إشارة إلى أنه تعالى لما جعلها بمنزلة الخادم في كثرة اتصالها بأهل المنزل وملابستها لهم، ولما في منزلهم، خفف الله تعالى على عباده بجعلها غير نجس رفعا للحرج (أخرجه الأربعة، وصححه الترمذي وابن خزيمة) وصححه أيضا البخاري والعقيلي والدارقطني. والحديث دليل على طهارة الهرة وسؤرها، وإن باشرت نجسا، وأنه لا تقييد لطهارة فمها بزمان، وقيل: لا يطهر فمها إلا بمضي زمان من ليلة أو يوم أو ساعة، أو شربها الماء، أو غيبتها حتى يحصل ظن بذلك، أو بزوال عين النجاسة من فمها، وهذا الأخير أوضح الأقوال، لأنه مع بقاء عين النجاسة في فمها فالحكم بالنجاسة لتلك العين لا لفمها، فإن زالت العين فقد حكم الشارع بأنها ليست بنجس.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد، فزجره الناس، فنهاهم النبي (ص)، فلما قضى بوله أمر النبي (ص) بذنوب من ماء، فأهريق عليه متفق عليه. (وعن أنس بن مالك رضي الله عنه) هو أبو حمزة بالحاء المهملة والزاي الأنصاري النجاري الخزرجي. خدم رسول الله (ص) منذ قدم المدينة إلى وفاته (ص)، وقدم (ص) المدينة وهو ابن عشر سنين، أو ثمان، أو تسع. أقوال. سكن البصرة من خلافة عمر ليفقه الناس وطال عمره إلى مائة وثلاث وستين، وقيل: أقل من ذلك.
قال ابن عبد البر: أصح ما قيل تسع وتسعون سنة. وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة سنة إحدى أو اثنتين، أو ثلاث وتسعين. (قال: جاء أعرابي) بفتح الهمزة نسبة إلى الاعراب وهم:
سكان البادية سواء أكانوا عربا أو عجما. وقد ورد تسميته: أنه ذو الخويصرة اليماني وكان رجلا جافيا (فبال في طائفة المسجد) أي في ناحيته، والطائفة: القطعة من الشئ (فزجره الناس) بالزاي فجيم فراء أي نهروه، وفي لفظ: فقام إليه الناس ليقعوا به، وفي أخرى: فقال أصحاب رسول الله (ص): مه، مه، (فنهاهم رسول الله (ص)) بقوله لهم : دعوه، وفي لفظ: لا تزرموه (فلما قضى بوله أمر النبي (ص) بذنوب) بفتح الذال المعجمة فنون آخره موحدة وهي الدلو الملآن ماء، وقيل: العظيمة (من ماء) تأكيد، وإلا فقد أفاده لفظ الذنوب، فهو من باب كتبت بيدي، وفي رواية: سجلا بفتح السين المهملة وسكون الجيم، وهو بمعنى الذنوب (فأهريق عليه) أصله: فأريق عليه، ثم أبدلت الهاء من الهمزة فصار فهريق عليه، وهو رواية، ثم زيدت همزة أخرى بعد إبدال الأولى