علي ثلاث مرات. ثم قال: اذهب فأذن عند المسجد الحرام، فقلت: يا رسول الله، فعلمني.
الحديث (فذكر فيه الترجيع) أي في الشهادتين ولفظه عند أبي داود: ثم تقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله تخفض بها صوتك قيل: المراد أن يسمع من بقربه. قيل:
والحكمة في ذلك: أن يأتي بهما أولا بتدبير وإخلاص، ولا يتأتى كمال ذلك إلا مع خفض الصوت.
قال: ثم ترفع صوتك بالشهادة: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله. فهذا هو الترجيع، الذي ذهب جمهور العلماء: إلى أنه مشروع، لهذا الحديث الصحيح، وهو زيادة على حديث عبد الله بن زيد، وزيادة العدل مقبولة. وإلى عدم القول به ذهب الهادي وأبو حنيفة، وآخرون، عملا منهم بحديث عبد الله بن زيد الذي تقدم (أخرجه مسلم، ولكن ذكر التكبير في أوله مرتين فقط) لا كما ذكره عبد الله بن زيد آنفا. وبهذه الرواية عملت الهادوية، ومالك، وغيرهم (ورواه) أي حديث أبي محذورة هذا (الخمسة) هم أهل السنن الأربعة، وأحمد (فذكروه) أي التكبير في أول الأذان (مربعا) كروايات حديث عبد الله بن زيد. قال ابن عبد البر في الاستذكار: التكبير أربع مرات في أول الأذان محفوظ من رواية الثقات: من حديث أبي محذورة، ومن حديث عبد الله بن زيد، وهي زيادة يجب قبولها. واعلم أن ابن تيمية في المنتقى نسب التربيع في حديث أبي محذورة إلى رواية مسلم، والمصنف لم ينسبه إليه، بل نسبه إلى رواية الخمسة، فراجعت صحيح مسلم وشرحه فقال النووي: إن أكثر أصوله فيها التكبير مرتين في أوله. وقال القاضي عياض:
إن في بعض طرق الفارسي لصحيح مسلم: ذكر التكبير أربع مرات في أوله، وبه تعرف أن المصنف اعتبر أكثر الروايات، وابن تيمية اعتمد بعض طرقه، فلا يتوهم المنافاة بين كلام المصنف، وابن تيمية.
(وعن أنس رضي الله عنه قال: أمر) بضم الهمزة مبني لما لم يسم: بنى كذلك للعلم بالفاعل، فإنه لا يأمر في الأصول الشرعية إلا النبي (ص)، ويدل له الحديث الآتي قريبا (بلال) نائب الفاعل (أن يشفع) بفتح أوله (الأذان) يأتي بكلماته شفعا (أي مثنى مثنى أو أربعا أربعا)، فالكل يصدق عليه أنه شفع، وهذا إجمال، بينه حديث عبد الله بن زيد، وأبي محذورة، فشفع التكبير: أن يأتي به أربعا أربعا، وشفع غيره: أن يأتي به مرتين مرتين، وهذا بالنظر إلى الأكثر، وإلا، فإن كلمة التهليل في اخره مرة واحدة اتفاقا.
(ويوتر الإقامة) يفرد ألفاظها (إلا الإقامة) بين المراد بها بقوله: (يعني: قد قامت الصلاة) فإنه يشرع أن يأتي بها مرتين، ولا يوترها (متفق عليه ولم يذكر مسلم الاستثناء) أعني قوله: إلا الإقامة. فاختلف العلماء في هذا على ثلاثة أقوال: الأول، للهادوية فقالوا تشرع تثنية ألفاظ الإقامة كلها، لحديث: إن بلالا كان يثني الأذان والإقامة رواه عبد الرزاق والدارقطني، والطحاوي، إلا أنه قد ادعى فيه الحاكم الانقطاع، وله طرق فيها ضعف.
وبالجملة لا تعارض رواية التربيع في التكبير رواية الافراد في الإقامة، لصحتها. فلا يقال: إن التثنية في ألفاظ الإقامة زيادة عدل، فيجب قبولها، لأنك قد عرفت أنها لم تصح. الثاني