الشام قاضيا، ومعلما، فأقام بحمص، ثم انتقل إلى فلسطين، ومات بها في الرملة، وقيل: في بيت المقدس سنة أربع وثلاثين، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. (قال قال رسول الله (ص ): لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القران. متفق عليه) هو دليل على نفي الصلاة الشرعية إذا لم يقرأ فيها المصلي بالفاتحة، لان الصلاة مركبة من أقوال وأفعال، والمركب ينتفي بانتفاء جميع أجزائه، وبانتفاء البعض، ولا حاجة إلى تقدير نفي الكمال، لان التقدير إنما يكون عند تعذر صدق نفي الذات، إلا أن الحديث الذي أفاده قوله: (وفي رواية لابن حبان، والدارقطني: لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب) فيه دلالة: على أن النفي متوجه إلى الاجزاء، وهو كالنفي للذات في المال، لان ما لا يجزئ، فليس بصلاة شرعية. والحديث دليل على وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة، ولا يدل على إيجابها في كل ركعة، بل في الصلاة جملة، وفيه احتمال أنه في كل ركعة، لان الركعة تسمى صلاة، وحديث المسئ صلاته قد دل على أن كل ركعة تسمى صلاة، لقوله (ص) بعد أن علمه ما يفعله في ركعة:
وافعل ذلك في صلاتك كلها فدل على إيجابها في كل ركعة، لأنه أمر أن يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، وإلى وجوبها في كل ركعة ذهبت الشافعية، وغيرهم. وعند الهادوية، وآخرين: أنها لا تجب قراءتها في كل ركعة، بل في جملة الصلاة. والدليل ظاهر مع أهل القول الأول. وبيانه من وجهين: الأول: أن في بعض ألفاظه بعد تعليمه صلى الله عليه وسلم له ما ذكره: من القراءة، والركوع، والسجود، والاطمئنان إلى اخره، أنه قال الراوي:
فوصف أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة هكذا أربع ركعات، حتى فرغ، ثم قال: لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك ومعلوم أن المراد من قوله يفعل ذلك، أي كل ما ذكره من القراءة بأم الكتاب، وغيرها في كل ركعة لقوله: فوصف الصلاة هكذا أربع ركعات. والثاني: أن ما ذكره صلى الله عليه وسلم مع القراءة: من صفات الركوع، والسجود، والاعتدال، ونحوه: مأمور به في كل ركعة، كما يفيده هذا الحديث. والمخالف في قراءة الفاتحة في كل ركعة، لا يقول - إنه يكفي الركوع والسجود والاطمئنان في ركعة واحدة من صلاته، أو يفرقها في ركعاتها، فكيف يقول: إن القراءة بالفاتحة تنفرد من بين هذه المأمورات بأنها لا تجب إلا في ركعة واحدة، أو يفرق بين الركعات؟ وهذا تفريق بين أجزاء الدليل بلا دليل فتعين حينئذ أن المراد من قوله: ثم افعل ذلك في صلاتك كلها: في ركعاتها، ثم رأيت بعد كتبه أنه أخرج أحمد، والبيهقي، وابن حبان بسند صحيح، أنه صلى الله عليه وسلم قال لخلاد بن رافع وهو المسئ صلاته: ثم اصنع ذلك في كل ركعة، ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها في كل ركعة، كما رواه مسلم، وقال: صلوا كما رأيتموني أصلي. ثم ظاهر الحديث وجوب قراءتها في سرية وجهرية: للمنفرد، والمؤتم. أما المنفرد فظاهر، وأما المؤتم فدخوله في ذلك واضح، وزاده إيضاحا في قوله: (وفي أخرى) من رواية عبادة (لأحمد، وأبي داود، والترمذي، وابن حبان:
لعلكم تقرأون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه