بالحائض يقتضي مع صحة الحديث حمل المطلق على المقيد، فلا تقطع إلا الحائض، كما أنه أطلق الكلب عن وصفه بالأسود في بعض الأحاديث. وقيد في بعضها به، فحملوا المطلق على المقيد، وقالوا: لا يقطع إلا الأسود، فتعين في المرأة الحائض: حمل المطلق على المقيد.
(وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص):
إذا صلى أحدكم إلى شئ يستره من الناس) مما سلف تعيينه من السترة، وقدرها، وقدر كم يكون بينها وبين المصلي (فأراد أحد أن يجتاز) أي يمضي (بين يديه فليدفعه) ظاهره وجوبا (فإن أبى) أي عن الاندفاع (فليقاتله) ظاهره كذلك (فإنما هو شيطان) تعليل للامر بقتاله، أو لعدم اندفاعه، أو لهما (متفق عليه. وفي رواية) أي لمسلم: من حديث أبي هريرة (فإن معه القرين) في القاموس: القرين: الشيطان المقرون بالإنسان لا يفارقه، وظاهر كلام المصنف أن رواية: (فإن معه القرين) متفق عليها بين الشيخين من حديث أبي سعيد، ولم أجدها في البخاري، ووجدتها في صحيح مسلم، لكن من حديث أبي هريرة. والحديث دال بمفهومه: على أنه إذا لم يكن للمصلي سترة، فليس له دفع المار بين يديه، وإن كان له سترة دفعه. قال القرطبي: بالإشارة، ولطيف المنع، فإن لم يمتنع عن الاندفاع قاتله: أي دفعه دفعا أشد من الأول، قال: وأجمعوا: أنه لا يلزمه أن يقاتله بالسلاح، لمخالفة ذلك قاعدة الصلاة: من الاقبال عليها والاشتغال بها، والخشوع. هذا كلامه.
وأطلق جماعة: أن له قتاله حقيقة، وهو ظاهر اللفظ. والقول بأنه يدفعه بلعنه وسبه يرده: لفظ هذا الحديث، ويؤيده: فعل أبي سعيد راوي الحديث مع الشاب الذي أراد أن يجتاز بين يديه وهو يصلي. أخرجه البخاري عن أبي صالح السمان قال: رأيت أبا سعيد الخدري في يوم جمعة يصلي إلى شئ يستره من الناس، فأراد شاب من بني أبي معيط أن يجتاز بين يديه، فدفعه أبو سعيد في صدره، فنظر الشاب، فلم يجد مساغا إلا بين يديه، فعاد ليجتاز، فدفعه أبو سعيد أشد من الأول. الحديث وقيل: يرده بأسهل الوجود، فإذا أبى، فبأشد، ولو أدى إلى قتله فإن قتله فلا شئ عليه، لان الشارع أباح قتله. والامر في الحديث، وإن كان ظاهره الايجاب، لكن قال النووي: لا أعلم أحدا من الفقهاء قال بوجوب هذا الدفع، بل صرح أصحابنا: بأنه مندوب، ولكن قال المصنف: قد صرح بوجوبه أهل الظاهر. وفي قوله: فإنما هو شيطان: تعليل بأن فعله فعل الشيطان: في إرادة التشويش على المصلي، وفيه دلالة على جواز إطلاق لفظ الشيطان على الانسان الذي يريد إفساد صلاة المصلي، وفتنته فدينه، كما قال تعالى: * (شياطين الإنس والجن ) * وقيل: المراد بأن الحامل له على ذلك شيطان، ويدل له رواية مسلم: فإن معه القرين.
وقد اختلف في الحكمة المقتضية للامر بالدفع، فقيل: لدفع الاثم عن المار، وقيل: لدفع الخلل الواقع بالمرور في الصلاة، وهذا الأرجح، لان عناية المصلي بصيانة صلاته أهم من دفعه الاثم عن غيره، قلت: ولو قيل: إنه لهما معا، لما بعد، فيكون لدفع الاثم عن المار، الذي أفاده حديث: لو يعلم المار، ولصيانة الصلاة عن النقصان من أجرها، فقد أخرج أبو نعيم عن