أنه لا ينقض النوم في الصلاة على أي حال، وينقض خارجها، وحجته الحديث المذكور، لأنه حجة هذه الأقوال الثلاثة. الثامن: أن كثير النوم ينقض على كل حال، ولا ينقض قليله، وهؤلاء يقولون: إن النوم ليس بناقض بنفسه، بل مظنة النقض، والكثير مظنة، بخلاف القليل، وحملوا أحاديث أنس على القليل، إلا أنهم لم يذكروا قدر القليل، ولا الكثير حتى يعلم كلامهم بحقيقته، وهل هو داخل تحت أحد الأقوال، أم لا؟. فهذه أقوال العلماء في النوم اختلفت أنظارهم فيه، لاختلاف الأحاديث التي ذكرناها. وفي الباب أحاديث لا تخلو عن قدح أعرضنا عنها. والأقرب القول:
بأن النوم ناقض لحديث صفوان، وقد عرفت أنه صححه ابن خزيمة، والترمذي، والخطابي، ولكن لفظ النوم في حديثه مطلق ودلالة الاقتران ضعيفة، فلا يقال: قد قرن بالبول والغائط، وهما ناقضان على كل حال. ولما كان مطلق ورود حديث أنس بنوم الصحابة، وأنهم كانوا لا يتوضأون ولو غطوا غطيطا، وبأنهم كانوا يضعون جنوبهم، وبأنهم كانوا يوقظون، والأصل جلالة قدرهم، وأنهم لا يجهلون ما ينقض الوضوء، سيما وقد حكاه أنس عن الصحابة مطلقا، ومعلوم أن فيهم العلماء العارفون بأمور الدين خصوصا الصلاة التي هي أعظم أركان الاسلام، ولا سيما الذين كانوا منهم ينتظرون الصلاة معه صلى الله عليه وسلم، فإنهم أعيان الصحابة، وإذا كانوا كذلك فيقيد مطلق حديث صفوان بالنوم المستغرق الذي لا يبقى معه إدراك، ويؤول ما ذكره أنس من الغطيط ووضع الجنوب والايقاظ بعدم الاستغراق، فقد يغط من هو في مبادئ نومه قبل استغراقه. ووضع الجنب لا يستلزم الاستغراق، فقد كان صلى الله عليه وسلم يضع جنبه بعد ركعتي الفجر ولا ينام، فإنه كان يقوم لصلاة الفجر بعد وضع جنبه. وإن كان قيل: إنه من خصائصه (ص): أنه لا ينقض نومه وضوءه، فعدم ملازمة النوم لوضع الجنب معلومة، والايقاظ قد يكون لمن هو في مبادئ النوم، فينبه، لئلا يستغرقه النوم. هذا وقد ألحق بالنوم الاغماء، والجنون، والسكر بأي مسكر، بجامع زوال العقل. وذكر في الشرح أنهم اتفقوا على أن هذه الأمور ناقضة، فإن صح كان الدليل الاجماع.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي (ص)، فقالت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: لا، إنما ذلك عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي متفق عليه.
وللبخاري: ثم توضأي لكل صلاة وأشار مسلم إلى أنه حذفها عمدا.
(وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش) حبيش بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون المثناة التحتية فشين معجمة. وفاطمة قرشية أسدية، وهي زوج عبد الله بن جحش (إلى النبي (ص) فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض) من الاستحاضة وهي: جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه (فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: لا إنما ذلك) بكسر الكاف خطاب للمؤنث (عرق) بكسر العين المهملة وسكون الراء فقاف، وفي فتح الباري: أن هذا العرق يسمى العاذل بعين مهملة وذال معجمة، ويقال: عاذر: بالراء بدلا عن اللام، كما في القاموس (وليس بحيض) فإن الحيض يخرج من قعر رحم المرأة، فهو إخبار باختلاف المخرجين، وهو رد لقولها: لا أطهر، لأنها اعتقدت أن طهارة الحائض لا تعرف إلا بانقطاع الدم، فكنت بعدم الطهر عن اتصاله، وكانت قد علمت: أن الحائض لا تصلي، فظنت أن ذلك الحكم مقترن بجريان الدم، فأبان لها (ص): أنه ليس بحيض، وأنها طاهرة يلزمها الصلاة (فإذا أقبلت حيضتك)