والحاكم بلفظ: قدم رسول الله (ص) المدينة، وبها ناس يعمدون إلى أليات الغنم وأسنمة الإبل فقال: ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت. والحديث دليل على أن ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت. وسبب الحديث دال على أنه أريد بالبهيمة ذات الأربع وهو المعنى الأول لذكره الإبل فيه، لا المعنى الأخير الذي ذكره القاموس، لكنه مخصوص بما أبين من السمك ولو كانت ذات أربع، أو يراد به المعنى الأوسط وهو كل حي لا يميز، فيخص منه الجراد، والسمك، وما أبين مما لا دم له. وقد أفاد قوله فهو ميت أنه لا بد أن يحل المقطوع الحياة، لان الميت هو ما من شأنه أن يكون حيا.
باب الآنية الآنية جمع إناء وهو معروف، وإنما بوب لها، لان الشارع قد نهى عن بعضها، فقد تعلقت بها أحكام.
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ص): لا تشربوا في انية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة، متفق عليه.
(عن حذيفة) أي: أروي، أو أذكر، كما سلف، وحذيفة بضم الحاء المهملة فذال معجمة فمثناة تحتية ساكنة ففاء، هو أبو عبد الله حذيفة (بن اليمان) بفتح المثناة التحتية وتخفيف الميم اخره نون، وحذيفة وأبوه صحابيان جليلان شهدا أحدا، وحذيفة صاحب سر رسول الله (ص)، وروى عنه جماعة من الصحابة، والتابعين. ومات بالمدائن سنة خمس، أو ست وثلاثين بعد قتل عثمان بأربعين ليلة (قال: قال رسول الله (ص):
لا تشربوا في انية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما) جمع صحفة. قال الكشاف والكسائي: الصحفة هي ما تشبع الخمسة (فإنها) أي انية الذهب والفضة وصحافهما (لهم) أي: للمشركين، وإن لم يذكروا فهم معلومون (في الدنيا) إخبار عما هم عليه، لا إخبار بحلها لهم، (ولكم في الآخرة، متفق عليه) بين الشيخين. والحديث دليل على تحريم الأكل والشرب في انية الذهب والفضة، وصحافهما، سواء كان الاناء خالصا ذهبا أو مخلوطا بالفضة، إذ هو بما يشمله أنه إناء ذهب وفضة. قال النووي: إنه انعقد الاجماع على تحريم الأكل والشرب فيهما. واختلف في العلة: فقيل: للخيلاء. وقيل: بل لكونه ذهبا وفضة. واختلفوا في الاناء المطلي بهما: هل يلحق بهما في التحريم، أم لا؟ فقيل: إن كان يمكن فصلهما حرم إجماعا، لأنه مستعمل للذهب والفضة، وإن كان لا يمكن فصلهما لا يحرم. وأما الاناء المضبب بهما، فإنه يجوز الأكل والشرب فيه إجماعا. وهذا في الأكل والشرب فيما ذكر لا خلاف فيه، فأما غيرهما من سائر الاستعمالات، ففيه الخلاف: قيل: لا يحرم: لان النص لم يرد إلا في الأكل والشرب.
وقيل: يحرم سائر الاستعمالات إجماعا. ونازع في الأخير بعض المتأخرين وقال: النص ورد في الأكل والشرب لا غير، وإلحاق سائر الاستعمالات بها قياسا لا تتم فيه شرائط القياس.
والحق ما ذهب إليه القائل: بعدم تحريم غير الأكل والشرب فيهما، إذ هو الثابت بالنص، ودعوى الاجماع غير صحيحة، وهذا من شؤم تبديل اللفظ النبوي بغيره، فإن ورد بتحريم الأكل والشرب فقط، فعدلوا عن عبارته إلى الاستعمال، وهجروا العبارة النبوية، وجاءوا بلفظ