أخرجه من طريق إبراهيم التيمي عن عائشة، ولم يسمع منها شيئا، فهو مرسل. وقال النسائي:
ليس في هذا الباب حديث أحسن منه، ولكنه مرسل. قال المصنف: روى من عشرة أوجه عن عائشة، أوردها البيهقي في الخلافيات وضعفها. وقال ابن حزم: لا يصح في هذا الباب شئ، وإن صح فهو محمول على ما كان عليه الامر قبل نزول الوضوء من اللمس. إذا عرفت هذا، فالحديث دليل على أن لمس المرأة، وتقبيلها لا ينقض الوضوء، وهذا هو الأصل، والحديث مقرر للأصل، وعليه الهادوية جميعا، ومن الصحابة علي عليه السلام. وذهبت الشافعية: إلى أن لمس من لا يحرم نكاحها ناقض للوضوء مستدلين بقوله تعالى - أو لامستم النساء - فلزم الوضوء من اللمس. قالوا: واللمس حقيقة في اليد، ويؤيد بقاءه على معناه قراءة: أو لمستم النساء. فإنها ظاهرة في مجرد لمس الرجل من دون أن يكون من المرأة فعل، وهذا يحقق بقاء اللفظ على معناه الحقيقي، فقراءة: أو لامستم النساء كذلك، إذ الأصل اتفاق معنى القراءتين. وأجيب عن ذلك:
بصرف النظر عن معناه الحقيقي للقرينة فيحمل على المجاز، وهو هنا: حمل الملامسة على الجماع، واللمس كذلك، والقرينة حديث عائشة المذكور، وهو وإن قدح فيه بما سمعت، فطرقه يقوي بعضها بعضا. وحديث عائشة في البخاري: في أنها كانت تعترض في قبلته (ص)، فإذا قام يصلي غمزها فقبضت رجليها - أي عند سجوده - وإذا قام بسطتهما، فإنه يؤيد حديث الكتاب المذكور، ويؤيد بقاء الأصل، ويدل على أنه ليس اللمس بناقض. وأما اعتذار المصنف في فتح الباري عن حديثها هذا: بأنه يحتمل أنه كان بحائل أو أنه خاص به، فإنه بعيد مخالف للظاهر. وقد فسر علي عليه السلام الملامسة بالجماع. وفسرها حبر الأمة ابن عباس بذلك، وهو المدعو له بأن يعلمه الله التأويل، فأخرج عنه عبد بن حميد أنه فسر الملامسة بعد أن وضع أصبعيه في أذنيه: ألا وهو النيك، وأخرج عنه الطستي أنه سأله نافع بن الأزرق عن الملامسة، ففسرها بالجماع، مع أن تركيب الآية الشريفة وأسلوبها يقتضي أن المراد بالملامسة الجماع، فإنه تعالى عد من مقتضيات التيمم المجئ من الغائط تنبيها على الحدث الأصغر، وعد الملامسة تنبيها على الحدث الأكبر، وهو مقابل لقوله تعالى في الامر بالغسل بالماء - وإن كنتم جنبا فاطهروا - ولو حملت الملامسة على اللمس الناقض للوضوء لفات التنبيه على أن التراب يقوم مقام الماء في رفعه للحدث الأكبر، وخالف صدر الآية. وللحنفية تفاصيل لا ينهض عليها دليل.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا، فأشكل عليه: أخرج منه شئ، أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا أخرجه مسلم. (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا، فأشكل عليه أخرج منه شئ أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد) إذا كان فيه لإعادة الوضوء (حتى يسمع صوتا) للخارج (أو يجد ريحا) له (أخرجه مسلم) وليس السمع، أو وجدان الريح شرطا في ذلك، بل المراد حصول اليقين.
وهذا الحديث الجليل أصل من أصول الاسلام، وقاعدة جليلة من قواعد الفقه، وهو أنه دل على أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها، حتى يتيقن خلاف ذلك. وأنه لا أثر للشك الطارئ عقبها، فمن حصل له ظن، أو شك بأنه أحدث وهو على يقين من طهارته، لم يضره ذلك حتى يحصل له اليقين، كما أفاده قوله: حتى يسمع صوتا، أو يجد ريحا، فإنه علقه بحصول ما يحسه،