فإنه صادر من خلو المعدة، ولا يذهب بالسواك. ثم هل يسن ذلك للمصلي، وإن كان متوضئا كما يدل له حديث: عند كل صلاة؟ قيل: نعم يسن ذلك، وقيل: لا يسن إلا عند الوضوء، لحديث مع كل وضوء، وأنه يقيد إطلاق عند كل صلاة بأن المراد عند وضوء كل صلاة.
ولو قيل: إنه يلاحظ المعنى الذي لأجله شرع السواك، فإن كان قد مضى وقت طويل يتغير فيه الفم بأحد المغيرات التي ذكرت، وهي أكل ما له رائحة كريهة، وطول السكوت، وكثرة الكلام، وترك الأكل والشرب: شرع السواك، وإن لم يتوضأ، وإلا، فلا، لكان وجها. وقوله في رسم السواك اصطلاحا: أو نحوه: أي نحو العود، ويريدون به كل ما يزيل التغير كالخرقة الخشنة، والإصبع الخشنة، والأشنان. والأحسن أن يكون السواك عود أراك متوسطا، لا شديد اليبس فيجرح اللثة، ولا شديد الرطوبة، فلا يزيل ما يراد إزالته.
وعن حمران أن عثمان دعا بوضوء.
فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم تمضمض، واستنشق، واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق، ثلاث مرات، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين، ثلاث مرات، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله (ص) توضأ نحو وضوئي هذا. متفق عليه.
(وعن حمران رضي الله عنه) بضم الحاء المهملة وسكون الميم وبالراء، هو ابن أبان بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة، وهو مولى عثمان بن عفان، أرسله له خالد بن الوليد من بعض من سباه في مغازيه، فأعتقه عثمان: (أن عثمان) هو ابن عفان تأتي ترجمته قريبا (دعا بوضوء) أي بماء يتوضأ به (فغسل كفيه ثلاث مرات) هذا من سنن الوضوء باتفاق العلماء وليس هو غسلهما عند الاستيقاظ الذي سيأتي حديثه، بل هذا سنة الوضوء، فلو استيقظ، وأراد الوضوء، فظاهر الحديثين: أنه يغسلهما للاستيقاظ ثلاث مرات، ثم للوضوء كذلك، ويحتمل تداخلهما. (ثم تمضمض) المضمضة: - أن يجعل الماء في الفم، ثم يمجه، وكمالها: أن يجعل الماء في فيه، ثم يديره، ثم يمجه، كذا في الشرح، وفي القاموس: المضمضة: تحريك الماء في الفم، فجعل مسماها التحريك ولم يجعل منه المج، ولم يذكر في حديث عثمان هل فعل ذلك مرة أو ثلاثا؟ لكن في حديث علي عليه السلام أنه مضمض، واستنشق، ونثر بيده اليسرى، فعل هذا ثلاثا، ثم قال: هذا طهور نبي الله (ص) (واستنشق) الاستنشاق:
إيصال الماء إلى داخل الانف، وجذبه بالنفس إلى أقصاه (واستنثر) الاستنثار عند جمهور أهل اللغة، والمحدثين والفقهاء، اخراج الماء من الانف بعد الاستنشاق (ثم غسل وجهه ثلاث مرات ثم غسل يده اليمنى) فيه بيان لما أجمل في الآية من قوله: * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون) * الآية. وأنه يقدم اليمنى (إلى المرفق) بكسر ميمه وفتح فائه وبفتحها وكسر فائه. وكلمة: إلى في الأصل للانتهاء، وقد تستعمل بمعنى مع، وبينت الأحاديث أنه المراد، كما في حديث جابر:
كان يدير الماء على مرفقيه أي النبي (ص). أخرجه الدارقطني بسند ضعيف، وأخرج بسند حسن في صفة وضوء عثمان: أنه غسل يديه إلى المرفقين حتى مسح أطراف العضدين وهو عند البزار والطبراني من حديث وائل بن حجر في صفة الوضوء: وغسل ذراعيه حتى جاوز المرافق. وفي الطحاوي والطبراني من حديث ثعلبة بن عباد عن أبيه: ثم غسل ذراعيه حتى سال الماء على مرفقيه. فهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا. قال إسحاق بن راهويه:
إلى في الآية يحتمل أن تكون بمعنى الغاية، وأن تكون. بمعنى مع، فبينت السنة أنها بمعنى مع.
قال الشافعي: لا أعلم خلافا في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء. وبهذا عرفت أن الدليل قد