الصلاة أن يلاحظ حال المصلي خلفه، فيجعل أضعفهم كأنه المقتدي به، فيخفف لأجله، ويأتي في أبواب الإمامة في الصلاة تخفيفه. وأنه يتخذ المتبوع مؤذنا ليجمع الناس للصلاة، وأن من صفة المؤذن المأمور باتخاذه: أن لا يأخذ على أذانه أجرا: أي أجرة، وهو دليل على أن من أخذ على أذانه أجرا، ليس مأمورا باتخاذه، وهل يجوز له أخذ الأجرة؟ فذهب الشافعية.
إلى جواز أخذه الأجرة مع الكراهة. وذهبت الهادوية، والحنفية: إلى أنها تحرم عليه الأجرة، لهذا الحديث. قلت: ولا يخفى أنه لا يدل على التحريم، وقيل: يجوز أخذها على التأذين في محل مخصوص، إذ ليست على الأذان حينئذ، بل على ملازمة المكان، كأجرة الرصد.
(وعن مالك بن الحويرث) بضم الحاء المهملة وفتح الواو وسكون المثناة التحتية وكسر الراء وثاء مثلثة، وهو: أبو سليمان مالك بن الحويرث الليثي وفد على النبي (ص)، وأقام عنده عشرين ليلة، وسكن البصرة، ومات سنة أربع وتسعين بها (قال: قال لنا النبي (ص): إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، الحديث أخرجه السبعة). هو مختصر من حديث طويل أخرجه البخاري بألفاظ: أحدها: قال مالك:
أتيت النبي (ص) في نفر من قومي، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رحيما رفيقا، فلما رأى شوقنا إلى أهلينا قال: ارجعوا فكونوا فيهم، وعلموهم، وصلوا، فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم زاد في رواية: وصلوا كما رأيتموني أصلي، فساق المصنف قطعة منه، هي موضع ما يريده من الدلالة على الحث على الأذان، ودليل إيجابه الامر به، وفيه أنه لا يشترط في المؤذن غير الايمان لقوله: أحدكم.
(وعن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله (ص) قال لبلال: إذا أذنت فترسل) أي رتل ألفاظه، ولا تعجل، ولا تسرع في سردها (وإذا أقمت فاحدر) بالحاء والدال المهملتين والدال مضمومة فراء. والحدر: الاسراع (واجعل بين أذانك، وإقامتك مقدار ما يفرغ الأكل من أكله) أي تمهل وقتا يقدر فيه فراغ الأكل من أكله (الحديث) بالنصب على أنه مفعول فعل محذوف: أي: اقرأ الحديث، أو أتم، أو نحوه، ويجوز رفعه على خبرية مبتدأ محذوف. وإنما يأتون بهذه العبارة، إذا لم يستوفوا لفظ الحديث، ومثله قولهم: الآية، والبيت، وهذا الحديث لم يستوفه المصنف، وتمامه والشارب من شربه، والمعتصر إذا دخل لقضاء الحاجة، ولا تقوموا حتى تروني (رواه الترمذي وضعفه). قال: لا نعرفه إلا من حديث عبد المنعم، وإسناده مجهول. وأخرجه الحاكم أيضا، وله شاهد من حديث أبي هريرة، ومن حديث سليمان، أخرجه أبو الشيخ. ومن حديث أبي بن كعب، أخرجه عبد الله بن أحمد، وكلها واهية. إلا أنه يقويها المعنى الذي شرع له الأذان، فإنه نداء لغير الحاضرين، ليحضروا الصلاة، فلا بد من تقدير وقت يتسع للذاهب للصلاة وحضورها، وإلا لضاعت فائدة النداء. وقد ترجم البخاري: (باب كم بين الأذان والإقامة) ولكن لم يثبت التقدير. قال ابن بطال: لا حد لذلك غير تمكن دخول الوقت، واجتماع المصلين. وفيه دليل على شرعية