شيئا فشيئا حتى يفني عينها وتذهب قبل فنائه، فلا يأتي اخر من الماء الوارد على النجاسة إلا وقد طهر المحل الذي اتصلت به، أو بقي فيه جزء منها يفنى ويتلاشى، عند ملاقاة آخر جزء منها يرد عليه الماء، كما تفنى النجاسة وتتلاشى إذا وردت على الماء الكثير بالاجماع، فلا فرق بين هذا وبين الكثير في إفناء الكل للنجاسة، فإن الجزء الأخير الوارد على النجاسة يحيل عينها لكثرته بالنسبة إلى ما بقي من النجاسة، فالعلة في عدم تنجسه بوروده عليها: هي كثرته بالنسبة إليها، لا الورود، فإنه لا يعقل التفرقة بين الورودين: بأن أحدهما ينجسه دون الاخر. وإذا عرفت ما أسلفناه، وأن تحديد الكثير والقليل لم ينهض على أحدهما دليل. فأقرب الأقاويل بالنظر إلى الدليل: قول القاسم بن إبراهيم، ومن معه، وهو قول جماعة من الصحابة، كما هو في البحر، وعليه عدة من أئمة الال المتأخرين، واختاره منهم الامام شرف الدين. وقال ابن دقيق العيد: إنه قول لأحمد، ونصره بعض المتأخرين من أتباعه، ورجحه أيضا من أتباع الشافعي: القاضي أبو الحسن الروياني ، صاحب بحر المذهب قاله في الامام. وقال ابن حزم في المحلى: إنه روي عن عائشة أم المؤمنين، وعمر بن الخطاب، و عبد الله بن مسعود، وابن عباس، والحسن بن علي بن أبي طالب، وميمونة أم المؤمنين، وأبي هريرة، وحذيفة بن اليمان، والأسود بن يزيد، و عبد الرحمن أخيه، وابن أبي ليلى، وسعيد بن جبير، وابن المسيب، ومجاهد، وعكرمة، والقاسم بن محمد، والحسن البصري، وغير هؤلاء.
وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله (ص): إن الماء لا ينجسه شئ إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه أخرجه ابن ماجة، وضعفه أبو حاتم. وللبيهقي: الماء طهور إلا إن تغير ريحه، أو طعمه، أو لونه بنجاسة تحدث فيه.
(وعن أبي أمامة) بضم الهمزة، واسمه صدي بمهملتين الأولى مضمومة والثانية مفتوحة ومثناة تحتية مشددة (الباهلي) بموحدة نسبة إلى باهلة، في القاموس: باهلة: قوم، واسم أبيه عجلان.
قال ابن عبد البر: لم يختلفوا في ذلك، يعني في اسمه واسم أبيه. سكن أبو أمامة مصر، ثم انتقل عنها وسكن حمص، ومات بها سنة إحدى. وقيل: سنة ست وثمانين وقيل: هو اخر من مات من الصحابة بالشام. كان من المكثرين في الرواية عنه (ص) (رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): إن الماء لا ينجسه شئ إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه) المراد: أحدها كما يفسره حديث البيهقي (أخرجه ابن ماجة وضعفه أبو حاتم) قال الذهبي في حقه: أبو حاتم هو الرازي الامام الحافظ الكبير، محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي، أحد الاعلام، ولد سنة خمس وتسعين ومائة، وأثنى عليه إلى أن قال: قال النسائي: ثقة. توفي أبو حاتم في شعبان سنة سبع وسبعين ومائتين، وله اثنتان وثمانون سنة. وإنما ضعف الحديث، لأنه من رواية رشدين بن سعد بكسر الراء وسكون المعجمة، قال أبو يوسف: كان رشدين رجلا صالحا في دينه، فأدركته غفلة الصالحين، فخلط في الحديث، وهو متروك. وحقيقة الحديث الضعيف: هو ما اختل فيه أحد شروط الصحيح، والحسن، وله ستة أسباب معروفة، سردها في الشرح. [والبيهقي] هو: الحافظ العلامة شيخ خراسان، أبو بكر أحمد بن الحسين، له التصانيف التي لم يسبق إلى مثلها: كان زاهدا ورعا تقيا، ارتحل إلى الحجاز والعراق. قال الذهبي: تأليفه تقارب ألف جزء، وبيهق بموحدة مفتوحة ومثناة تحتية ساكنة وهاء مفتوحة فقاف: بلد قرب نيسابور، أي رواه بلفظ: (الماء طهور إلا إن تغير ريحه أطعمه أو لونه) عطف عليه (بنجاسة) الباء سببية: أي بسبب نجاسة (تحدث