قلت: والخلاف فيه للهادوية مطلقا في المواضع الثلاثة. واستدل للهادي في البحر بقوله (ص) مالي أراكم. الحديث. قلت: وهو إشارة إلى حديث جابر بن سمرة، أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي، ولفظه عنه قال: كنا إذا صلينا مع رسول الله (ص)، قلنا بأيدينا: السلام عليكم ورحمة الله، وأشار بيديه إلى الجانبين، فقال رسول الله (ص ): علام تومئون بأيديكم. مالي أرى أيديكم، كأذناب خيل شمس، اسكنوا في الصلاة، وإنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه، ثم يسلم على أخيه: عن يمينه وشماله انتهى بلفظه، وهو حديث صريح في أنه كان ذلك في إيمائهم بأيديهم عند السلام، والخروج من الصلاة، وسببه صريح في ذلك. وأما قوله: اسكنوا في الصلاة فهو عائد إلى ما أنكره عليهم: من الايماء إلى كل حركة في الصلاة: فإنه معلوم أن الصلاة مركبة من حركات، وسكون، وذكر الله.
قال المقبلي في المنار على كلام الإمام المهدي: إن كان هذا غفلة من الامام إلى هذا الحد، فقد أبعد، وإن كان مع معرفته حقيقة الامر فهو أورع وأرفع من ذلك. والاكثار في هذا لجاج مجرد، وأمر الرفع أوضح من أن تورد له الأحاديث المفردات، وقد كثرت كثرة لا توازى، وصحت صحة لا تمنع، ولذا لم يقع الخلاف المحقق فيه إلا للهادي فقط، فهي من النوادر التي تقع لافراد العلماء، مثل مالك، والشافعي، وغيرهما، ما أحد منهم إلا له نادرة، ينبغي أن تغمر في جنب فضله، وتجتنب، انتهى. وخالفت الحنفية فيما عدا الرفع عند تكبيرة الاحرام، واحتجوا برواية مجاهد: أنه صلى خلف ابن عمر فلم يره يفعل ذلك، وبما أخرجه أبو داود من حديث ابن مسعود: بأنه رأى النبي (ص) يرفع يديه عند الافتتاح، ثم لا يعود، وأجيب بأن الأول فيه أبو بكر بن عياش، وقد ساء حفظه، ولأنه معارض برواية نافع، وسالم ابن عمر لذلك، وهما مثبتان، ومجاهد ناف، والمثبت مقدم، وبأن تركه لذلك إذا ثبت، كما رواه مجاهد، يكون مبينا لجوازه، وأنه لا يراه واجبا، وبأن الثاني وهو حديث ابن مسعود لم يثبت كما قال الشافعي، ولو ثبت لكانت رواية ابن عمر مقدمة عليه، لأنها إثبات، وذلك نفي، والاثبات مقدم. وقد نقل البخاري عن الحسن، وحميد بن هلال: أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك. قال البخاري: ولم يستثن الحسن أحدا، ونقل عن شيخه علي بن المديني أنه قال: حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم عند الركوع، والرفع منه، لحديث ابن عمر، هذا. وزاد البخاري في موضع اخر بعد كلام ابن المديني: وكان علي أهم أهل زمانه، قال: ومن زعم أنه بدعة فقد طعن في الصحابة، ويدل له قوله:
(وفي حديث أبي حميد، عند أبي داود: يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه.
ثم يكبر). تقدم حديث أبي حميد من رواية البخاري، لكن ليس فيه ذكر الرفع إلا عند تكبيرة الاحرام، بخلاف حديثه عند أبي داود، ففيه إثبات الرفع في الثلاثة المواضع، كما أفاده حديث ابن عمر، ولفظه عند أبي داود: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائما، ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه الحديث، تمامه: ثم قال الله أكبر، وركع، ثم اعتدل، فلم يصوب رأسه